للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الإمام أحمد - رحمه الله -: «الكلمة التي ألقاها إلى مريم حين قال له: (كُن) فكان عيسى بـ (كُن) وليس عيسى هو (كُن)، ولكن بـ (كُن) كان» (١).

ومراد الإمام أحمد أنَّ عيسى ليس هو نفس الكلمة؛ وإنما سُمِّيَ بالكلمة لأنه خُلق بها، وعيسى مخلوق تجري عليه جميع الأحوال البشرية، وهو ذات بائنة عن الله تعالى، وأما كلمة (كن) التي خلق بها فهي من قول الله عز وجل، وليست شيئًا مخلوقًا؛ لأن كلام الله وصف قائم به، لا بائن منه (٢).

«وَرُوحٌ مِنْهُ» (من) هنا ليست للتبعيض كما يقول النصارى حيث جعلوا عيسى عليه السلام جزء من الله - تعالى الله عن ذلك - ولكنها لابتداء الغاية، والإضافة إضافة تشريف كناقة الله، وبيت الله.

والمعنى: صار جسده - عليه السلام - بالكلمة، فنفخت فيه هذه الروح التي هي من الله، أي: خلق من مخلوقاته أضيفت إليه تعالى للتشريف والتكريم. وعيسى - عليه السلام - ليس روحًا، بل جسد ذو روح، قال الله تعالى: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} [المائدة: ٧٥] فبالنفخ صار جسدًا، وبالروح صار جسدًا وروحًا (٣).

«وَالجَنَّةَ حَقٌّ، وَالنَّارَ حَقٌّ» أي: وشهد أن الجنة التي أخبر بها الله تعالى في كتابه أنه أعدها للمتقين حق، أي ثابتة لا شك فيها، وشهد أن النار التي أخبر بها تعالى في كتابه أنه أعدها للكافرين حق كذلك ثابتة (٤).


(١) الرد على الجهمية ص (١٢٦).
(٢) ينظر: كتاب التوحيد وقرة عيون الموحدين في ص (١٦)، والقول المفيد (١/ ٧٣).
(٣) ينظر: القول المفيد (١/ ٧٤).
(٤) فتح المجيد ص (٤٣).

<<  <   >  >>