للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الزكاة، في كل صنف من المزكيات، وقد تحدث أمور لاتحد، ولا يحد لها وقت، فتجب بها المواساة للضرورة التي تنزل؛ من ضيف مضطر، أو جائعٍ يُعلم أنه مضطر، أو غازٍ يُعلم أنه مضطر، أو ميتٍ يُعلم أنه ليس له من يواريه، فتجب حينئذ على من تُمْكِنه المواساة، المواساة التي يزول بها حد الضرورة، فإن ذلك من حقوق الله ـ عز وجل ـ في الأموال، ينوب فيه بعضنا عن بعض.

ونرجو أن يكون قول من قال: يكنزه الإنسان ويخَلِّفُه، غير مضبوط؛ وذلك أن الله ـ تبارك وتعالى ـ قال: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} (١) وقال ـ عز من قائل ـ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} (٢) فمحال أن يوصينا فيما نترك وقد حظر علينا الترك، وجعله كنزا نُعَذَبُ عليه.

وكيف يكون ذلك كذلك، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لسعد: ? الثلث والثلث كثير أو كبير، إنك أن تدع ورثتك أغنياء، خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس? (٣).

وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحمة الله

لهم خلفوا الأموال، من الضِيَاع وغيرها؛ عثمان (٤)، وعلي،

والزبير (٥) (٦)، وعبد الرحمن (٧) وغيرهم، وليس للكنز عندي وجها (٨) إلا المال الذي لا يؤدى حقوق الله فيه (٩)، والله أعلم.


(١) سورة البقرة (١٨٠).
(٢) سورة النساء (١١).
(٣) أخرجه البخاري [١١٦٠ كتاب النفقات، فضل النفقة على الأهل] ومسلم [٣/ ١٠١٣ كتاب الوصية].
(٤) هو: عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، أبو عبد الله، ذو النورين زوج ابنتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من السابقين الأولين إلى الإسلام، وممن هاجر الهجرتين، وثالث الخلفاء الراشدين، مات مقتولا ظلما سنة ٣٦ هـ بالمدينة. ينظر: طبقات ابن سعد (٣/ ٤٢).
(٥) هو: الزبير بن العوام بن خويلد بن عبد العزى الأسدي القرشي، أبو عبد الله، حواري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن عمته، من السابقين الذين هاجروا الهجرتين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، قتل غدرا بعد ما ترك القتال يوم صفين سنة ٣٦ هـ. ينظر: طبقات ابن سعد (٣/ ٥٦) والإصابة (٢/ ٤٥٧).
(٦) لوحة رقم [٢/ ١٦٣].
(٧) هو: عبد الرحمن بن عوف بن عبد الحارث القرشي، أبو محمد، من السابقين الذين هاجروا الهجرتين، ومن المبشرين، وأحد الستة أهل الشورى، مات سنة ٢٣ هـ ودفن بالبقيع. ينظر: طبقات بن سعد (٣/ ٦٦) والإصابة (٤/ ٢٩٠).
(٨) كذا في الأصل بالنصب، ومقتضى قواعد النحو الرفع أنه اسم ليس.
(٩) وهو ـ أيضا ـ اختيار ابن العربي في أحكام القرآن (٢/ ٤٨٩)، وعلل ذلك بقوله: " وهذا يدل على أن الكنز في الذهب والفضة خاصة، وأن المراد بالنفقة الواجبة لقوله: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} ولا يتوجه العذاب إلا على ترك واجب".

<<  <   >  >>