للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الله تبارك اسمه: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا}

إلى قوله: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} (١).

الأربعة الحرم ثلاثة منها متوالية: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر (٢) الذي بين جمادى وشعبان، وإنما قيل رجب مضر؛ لأن ربيعة بن نزار كانوا يحرمون رمضان ويسمونه رجبا، وكانت مضر تحرم رجب نفسه (٣)، لذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ? الذي بين جمادى وشعبان? (٤).

وأما قوله ـ عز وجل ـ: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} (٥) ففي الشهور كلها لا تظلموا فيهن أنفسكم فتعصوا ربكم؛ لأن كل نفس ظلم للنفس (٦) وتعريضا لها وتعرضا لعذاب الله ـ عز وجل ـ قالت الأنبياء عليهم السلام: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} (٧).

وقد قيل: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} الأربعة الحرم لا تقاتلوا فيهن لا تقاتلوا فيهن (٨)، وهذا منسوخ بإباحة الحرب في كل الشهور (٩).


(١) سورة التوبة (٣٦).
(٢) مضر: هم أبناء نزار بن معد بن عدنان بن إسماعيل - عليه السلام -، وهم شعب عظيم كثير القبائل والبطون، وإليهم ينتسب النبي - صلى الله عليه وسلم -، من أشهر مساكنهم الحجاز، وكانت لهم الرياسة فيها، ومن مساكنهم وسط نجد وشمالها. ينظر: العقد الفريد (٣/ ٢٩١)، والأنساب (١/ ٣٠).
(٣) قد ذكر النووي في شرح مسلم (١١/ ١٦٨) علة أخرى لإضافة رجب إلى مضر فقال: " لأنهم كانوا يعظمونه أكثر من غيرهم " أ. هـ
(٤) سيذكر المؤلف الحديث بأتم من هذا، في ص: ٢٧٣، وفيه أذكر ـ إن شاء الله ـ من أخرجه.
(٥) سورة التوبة (٣٦).
(٦) كذا رسمت الجملة في الأصل، ولم يتضح لي المعنى.
(٧) سورة الأعراف (٢٣).
(٨) كذا وقعت مكررة في الأصل.
هو قول مقاتل بن سليمان. ينظر: تفسير مقاتل بن سليمان (٢/ ٤٦).
(٩) ذهب جماهير أهل العلم إلى أن تحريم القتال في الأشهر الحرم، الوارد في مثل قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: ٢١٧] وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ} [المائدة: ٢] منسوخ بالآيات التي جاءت بقتال المشركين كافة حيث وجدوا، مثل قوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٦] وقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة: ٣٦] وذهب بعض أهل العلم إلى أن تحريم القتال باق غير منسوخ، وقد كان عطاء ـ رحمه الله ـ يقسم على ذلك.
ينظر: الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد (٢٠٦) وتفسير الطبري (٢/ ٣٦٥) وأحكام القرآن لابن العربي (١/ ٢٠٧)، وتفسير ابن كثير (٢/ ٥٥٤).

<<  <   >  >>