للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقال عمار: كلنا تكلم بالذي قالوا له، فلولا أن الله ـ تبارك وتعالى ـ تداركنا غير بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه حتى ملوه فتركوه (١)، فقيل: نزلت هذه الآية في هؤلاء، وقيل: في أمثالهم، وكل ذلك سواء، وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - عمارا يبكي من قِيْلِه فطيب نفسه وقال: (إن عادوا فعد) (٢).

وهذه الآية تدل على أنه ما أُكره الإنسان عليه من قول، فلم يقله عن اعتقاد فلا شيء عليه.

فأما أن يُكْره على أن يَقتل أو يَزني أو ما أشبه ذلك من ظلم الإنسان، فلا يجوز له استعمال التقية في ذلك (٣)، والله أعلم.

قال الله عز وجل: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ

وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} (٤).


(١) قول عمار - رضي الله عنه - الذي ذكره المؤلف رحمه الله لم أجده، وهو في معنى ما روي عن مجاهد وابن مسعود، وقد تقدم تخريجهما في الهامش قبله.
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره (٧/ ٦٥١) والبيهقي [٨/ ٢٠٨ كتاب المرتد، باب المكره على الردة] نحوه، قال ابن حجر في الفتح (١٢/ ٣٢٧): " وهو مرسل ورجاله ثقات".
(٣) ذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ صورتين للعذر بالإكراه، الأولى: القتل، ولا خلاف بين أهل العلم أنه لا يجوز للمرء أن يقتل غيره استبقاء لنفسه.
والثانية: الإكراه على الزنا، وقد اختلف فيه: فذهب ابن الماجشون إلى عدم الجواز وألزمه الحد، وتبعه المؤلف هنا، وصحح ابن العربي جواز ذلك، وسبب الخلاف: أن مَن لم يعذر بالإكراه في الزنا، نظر إلى أن فعل الزنا صادر عن شهوة خَلْقِية، لا يتصور فيها الإكراه، ومن عذر به نظر إلى السبب الذي حمله على الزنا وهو الإكراه. ينظر: أحكام القرآن (٣/ ١٦٠) وفتح الباري (١٣/ ٢٧٦).
(٤) سورة النحل (١٢٦).

<<  <   >  >>