للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذا قال وأصحابه في الإشعار (١) إنه معارض لنهيه عن المُثْلَة (٢)، وإنما نُهِيَ عن المُثْلَة في بني آدم، وعن المُثْلَة في البهائم التي كانت العرب تفعله بها، من البَحْر والصَرْم (٣) وما أشبه ذلك، فأما ما وجب لله ولا بد من نحره، فلم يُنْه عن سِمَتِه، وقد فعله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع وهي آخر أفعاله (٤)، ولا أحسب ذا دين يدع فعل رسول - صلى الله عليه وسلم - لقول أبي حنيفة.


(١) الإشعار: قال النووي في شرح صحيح مسلم (٨/ ٢٢٨): " أما الإشعار: فهو أن يجرحها في صفحة سنامها اليمنى، بحربة أو سكين أو حديدة أو نحوها، ثم يسلت الدم عنها، وأصل الإشعار والشعور: الإعلام والعلامة، وإشعار الهدى لكونه علامة له، وهو مستحب ليعلم أنه هدي، فإن ضل رده واجده وإن اختلط بغيره تميز ".
(٢) ينظر قول أبي حنيفة في المبسوط (٤/ ١٣٨). ...
على أن الطحاوي قد حمل قول أبي حنيفة على كراهة المبالغة في الإشعار، بحيث لا تؤمن السراية فيه.
وأما صاحبا أبي حنيفة فقد ذهبا إلى القول بمشروعية الإشعار.
ينظر: المبسوط (٢/ ٤٩٢) وشرح فتح القدير (٣/ ٧).
(٣) البَحْر: في بيان المراد بالبحر والبحيرة أقوال عدة أثرت عن السلف، منها ما ذكره ابن الأثير في غريب الحديث (١/ ١٠٠) قال: " كانوا إذا تابعت الناقة بين عشر إناث لم يُركَب ظهرها, ولم يُجَزّ وَبرها, ولم يشرب لبنها إلا ولدها أو ضَيْف, وتركُوها مُسَيَّبة لسَبِيلها وسمَّوها السَّائبة, فما ولدَتْ بعد ذلك من أنثى شَقُّوا أذُنَها وخَلَّوا سَبْيلها, وحَرُم منها ما حرم من أمّها وسموها البَحيرة ".
وأما المراد بالصرم فهو كما قال ابن الأثير في غريب الحديث (٣/ ٢٤): " تقول هذه صُرُمٌ جمْع صَريم, وهو الذي صُرمت أُذنه: أي قطِعت، والصَّرم: القَطْعُ ".
(٤) ثبت ذلك في الحديث الذي أخرجه مسلم [٢/ ٧٤٣ كتاب الحج] وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر بذي الحليفة، ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن وسلت الدم، وقلدها نعلين، ثم ركب راحلته، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج.

<<  <   >  >>