للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} إلى قوله: {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (١).

قال أبو حنيفة وأصحابه: إن القاذف إذا تاب لم تقبل شهادته، واحتجوا بأن الاستثناء لم يقع على كل ما ذكر في القرآن، وأن الدليل على ذلك، أنه لو تاب لم يسقط عنه الحد (٢)، فغلطوا من حيث لا يشكل، وذلك أن القاذف إنما أوجب الله ـ تبارك وتعالى ـ ألا تقبل شهادته وأنه من الفاسقين بعد الحد، وبين ذلك في كتابه بقوله سبحانه: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} (٣) فإنما ذلك بعد الجلد، وإنما يكون محدودا في القذف بعد الجلد، فأما قبل الجلد وبعد ما قذف فهو على أمره الذي كان؛ لأنه لا يُدرى إلى ما يفضي أمره، إذ كان قد يأتي بأربعة شهداء بأن المقذوف زان، أو أنه قد كان حد (٤) في الزنا، ويخاف المقذوف أن تقوم عليه بينة فيمسك عن المطالبة فَيُدفع عنه الحد.

أخبرنا إسماعيل (٥) قال: نا نصر بن علي، عن وكيع، عن محمد بن قيس (٦)، عن الشعبي، في القاذف إذا لم يُحد جازت شهادته، فإذا عجز القاذف عن البينة وطالبه


(١) سورة النور (٤، ٥).
(٢) ينظر قول الحنفية في: المبسوط (١٦/ ١٢٥) وأحكام القرآن للجصاص (٨/ ١١٨) وشرح فتح القدير (٥/ ٣٢٤).
(٣) سورة النور (٤).
(٤) لوحة رقم [٢/ ٢٠١].
(٥) هو: ابن إسحاق القاضي، تقدم.
(٦) هو: محمد بن قيس الأسدي الوالبي، أبو نصر ويقال: أبو قدامة، الكوفي روى عن الشعبي وحميد الطويل، روى عنه الثوري ووكيع، وثقه ابن المديني وابن معين. ينظر: طبقات ابن سعد (٦/ ٥٣٤) وتهذيب التهذيب (٥/ ٢٤٦).

<<  <   >  >>