للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

باللعان، فلما كان ذلك كذلك حددناه بظاهر الأمر، فتوبته رجوعه عن القول، لم تكف فيه الحقيقة، كما لم نحده بالحقيقة.

وهذا القول يلزم شريحا القول به، فيمن زنى وسرق وأشباه ذلك، إذا كانوا مستشرين بفعلهم ألا تقبل شهادتهم؛ لأن توبتهم بينهم وبين ربهم ـ عز وعلا ـ وهو وغيره يقبلون شهادتهم إذا ظهر الخير منهم، وعرف بالظاهر الندم على ما كان منهم.

وبلغني عن الفمي (١) احتج لذلك بقول الله ـ عز وجل ـ: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ

ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} (٢) فهذا يوجب أن يكون القاذف فاسقا حين قذف إلى أن يأتي بالشهداء، وأصحابه لا يجعلون القاذف فاسقا مردود الشهادة إلا بعد أن يُحَد، فأدخل شيئا في غير بابه؛ لأن هذه الآيات نزلت في عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تنزيها لها لموضعها من الدين والطهارة، وعاتبَ القومَ في أمرها وألزمهم لمعرفتهم بها (٣) وجلالتها أن يقولوا ذلك، ولم يعن بذلك سائر الناس، والذي رمى عائشة لم يقله عن تيقن، وإنما قاله لتخلفها عن الجيش ولم يقبل عذرها، وقالوا بأفواههم ما ليس لهم به علم كما وصف الله عز وجل، وكان هذا عظيما في امرأة من أفناء (٤) الناس فكيف في امرأة شبهها الله تبارك وتعالى في الطهارة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال عز من


(١) كذا في الأصل، وهو تحريف، من الفهمي، وهو الليث بن سعد، الإمام المشهور، وذلك لأمرين:
الأول: لم أجد إماما بهذا الاسم فيما وقفت عليه من كتب التراجم.
الثاني: أن ما حكاه المؤلف هو عين مذهب الليث بن سعد الفهمي ـ رحمه الله ـ كما في أحكام القرآن للجصاص (٥/ ١١٥).
(٢) سورة النور (١٢).
(٣) لوحة رقم [٢/ ٢٠٣].
(٤) الأفناء من الناس: الأخلاط والنزاع من ههنا وههنا، لا يعلم ممن هم. ينظر: غريب الحديث لابن الأثير (٣/ ٤٢٨) واللسان مادة: الفناء.

<<  <   >  >>