للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قائل: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} (١) الطيبات عائشة، والطيبون الرسول - صلى الله عليه وسلم - {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ} عائشة وصفوان بن مُعَطِّل (٢)، وسائر الناس لا يُشَبَّهُون بها؛ لأن القاذف قد يكون صادقا، وإنما يحد بالظاهر وأنه كان يسعه السكوت إذا عجز عن البينة، بل له أن يسكت وإن كانت البينة يقدر عليها لما أمر الله به من الستر على عباده.

وإنه لعظيم عندي إن ينطلق لساني بالاحتجاج بقصة عائشة رضي الله عنها المطهرة، ولكن دعت الضرورة لتشبيه هذا الإنسان، القاذف بأمر عائشة التي عاتب الله ـ تبارك وتعالى ـ الخلق في أمرها ووعظ غاية الوعظ؛ لأن أصله تخرص عن غير أصل، وكل قاذف ليس كذلك (٣)؛ لأن منهم من يجوز أن يكون قد رأى أو منهم من يقدر على الشهداء، فليس يقال له: إنه من الفساق حتى يعجز، وما لم يُحد فقد يجوز أن يأتي تصديقه، وإنما يُحد ليُكَذَّبَ عن المقذوف، ويحكم على القاذف بالكذب، وليس يحكم على القاذف بنفس القذف حتى يعجز عن البينة ويُحَد، ألا ترى أنه لو قذف صبيا لم يبلغ ولا يجوز منه الوطء، أو مجبوبا لا يكون منه الوطء، لكُنّا قد علمنا أنه كاذب، فلم نحتج إلى أن يُكَذَّب عنه بالحد لعلمنا بكذبه، وليس يجوز أن يجعل في الحكم فاسقا غير مقبول الشهادة، إلا في الوقت الذي أمر الله به، وهو بعد إقامة الحد، فإذا أقيم الحد فقد ثبت الحكم، وإلا فهو على أصل عدالته وستره، والله أعلم.


(١) سورة النور (٢٦).
(٢) هو: صفوان بن المعطل بن رُبَيِّعة، أبو عمرو السلمي، شهد المُرَيسيع وما بعدها، وفيها وقعت له حادثة الإفك، وعنه قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما علمت عليه إلا خيرا، قيل عاش إلى خلافة عمر، وقيل: إلى خلافة معاوية. ينظر: المنتظم في تاريخ الأمم (٤/ ٢٨٢) والإصابة (٣/ ٣٥٦).
(٣) على اعتبار أنه قد يكون صادقا في قذفه لكن أعجزته البينة، وأما في خبر عائشة رضي الله عنها فكذب القاذف متيقن لا شك فيه، فلا يقاس عليه غيرها.

<<  <   >  >>