للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال سبحانه: {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (١) وقال تبارك وتعالى: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} (٢) وهذا غاية الوعيد والنهي والزجر.

وقد روي أن عمر حلف على أنس أن يكاتب سيرين (٣)، وهذا من عمر على وجه النظر لأنس، والرغبة له في الخير، ولو كان يراه واجبا لألزمه وحكم به عليه، ولم يحلف عليه، وإنما يمينه فعل الوالد ونظره لولده، لا على وجه الإجبار، فعمر ـ رحمه الله ـ للناس جميعا كالأب الشفيق، ولو كان أنس يعلم أن ذلك واجبا (٤) عليه لما امتنع منه، وإنما أُمر بذلك على وجه الندب، ورُدّ إلى علم السادة، فقيل: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} (٥) يعني أداء وأمانة، فلا مدخل للحاكم في ذلك، وما ليس للحكام فيه مدخل فيما يتنازع الناس فيه، فليس بواجب، وإذا لم يجب ارتفع التنازع.

وقد حكي عن الشافعي أنه قال في المملوك يسأل سيده المكاتبة: أن ذلك لا يجب على السيد (٦)، وأنه إذا كاتبه وجب أن يُجْبر السيدُ على أن يضع عنه مما عقد


(١) سورة الجمعة (١٠).
(٢) سورة الزمر (١٥).
(٣) أخرجه البيهقي [١٠/ ٣١٩ كتاب المكاتب، باب من قال يجب على الرجل مكاتبة .. ] عن قتادة، وعلقه البخاري [٥٠٨ كتاب المكاتب، باب المكاتب ونجومه] قال ابن حجر في الإصابة (٣/ ٢٢٣): " وصله إسماعيل بن إسحاق في الأحكام، من طريق بن جريج، عن عمرو بن دينار عن عطاء عن موسى بن أنس".
وأما سيرين فهو: أبو عمرة مولى أنس بن مالك، والد الفقيه المشهور محمد بن سيرين، وكان من سبي عين التمر، اشتراه أنس في خلافة أبي بكر. ينظر: طبقات ابن سعد (٨/ ٦١) والإصابة (٣/ ٢٢٣).
(٤) كذا في الأصل، ومقتضي قواعد النحو بالرفع: واجبٌ.
(٥) سورة النور (٣٣).
(٦) ينظر: الأم (٨/ ٣١) والمهذب (٢/ ١٠).

<<  <   >  >>