للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كل محدث مبتدع ألا ترى الله عز وجل قال: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ} (١) مبتدعان، فالشر قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنه ضلالة له تجر صاحبها إلى النار (٢)، والخير مبتدع من فاعله، إذا لم يكن من كتاب ولا سنة ففاعله ابتدعه، فينبغي إذا فعله أن يداوم عليه، فإنه إن تركه وعدل عنه إلى ضده كان داخلا في معنى هذه الآية: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} ولذلك قال أبو أمامة الباهلي لما سَنَّ عمرُ القيام في شهر رمضان: فدوموا عليه إذ فعلتموه ولا تتركوه، فإن ناسا من بني إسرائيل ابتدعوا بدعا لم يكتبها الله عليهم ابتغاء رضوان الله، فما رعوها فعاقبهم الله (٣)، فمن سن سنة حسنة وجب عليه رعايتها (٤).

فأما قيام شهر رمضان فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قامه ثم خشي أن يفرض فتركه، فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعُدِمَ نُزول الوحي، أقامه للناس عمر رحمه الله، وقد كان رسول الله


(١) سورة البقرة (١١٧).
(٢) يشير إلى ما أخرجه ابن خزيمة [٣/ ١٤٣ أبواب الأذان والخطبة، باب صفة خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم -] والنسائي [٣/ ٢٠٩ كتاب العيدين، كيف الخطبة] من حديث جابر بن عبد الله، وفيه: (وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار).
(٣) أخرجه الطبري في تفسيره (١١/ ٦٩٢) بنحوه.
(٤) أراد المؤلف ـ رحمه الله ـ بالسنة التي يجب على من سنها رعايتها؛ ما لم يرد الشرع بإيجابه، فمن أخذ بها فينبغي عليه رعايتها وعدم تركها، وقد استشهد على ما ساقه بكلام أبي إمامة - رضي الله عنه - عن قيام رمضان، ومعلوم أن قيام رمضان ـ كما أشار المؤلف ـ مما شرعه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي هذا السياق نفسه قال الجصاص في أحكام القرآن (٥/ ٣٠١) في كلامه عن هذه الآية: " ... فاقتضى ذلك أن كل من ابتدع قربة قولا أو فعلا، فعليه رعايتها وإتمامها، فوجب على ذلك أن من دخل في صلاة أو صوم أو حج أو غيرها من القرب، فعليه إتمامها إلا وهي واجبة عليه، فيجب عليه القضاء إذا أفسدها".

<<  <   >  >>