للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الضعف والجهل، ولو قال: إذا أردت أن تمس فأعتق قبل أن تمس لكان هذا كلاما صحيحا مفهوما (١).

فليس تجب الكفارة إلا بالمسيس، وإرادته توجب تقديمها ما دام مستديما للإرادة، فإن (٢) عزبت (٣) الإرادة عنه بعد أن كان أراد وقبل أن يكفر، سقطت عنه الكفارة، ولو أن رجلا أراد الصلاة وجب عليه أن يتوضأ، فإن بدا له ولم تكن الصلاة وجبت للوقت زال عنه فرض الوضوء، إذ لا صلاة إلا بطهارة، وقد قيل: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} (٤) فكان إذا أراد أن يقرأ وجب عليه أن يستعيذ، فإن بدا له سقطت عنه الاستعاذة، كذلك إذا أراد الوطء وجبت الكفارة، إذا استدام الإرادة الموصولة بالكفارة إلى ما حُظِر عليه، فإن عدل عن الإرادة زالت عنه الكفارة، كذلك لو طلق وقد مضى من صيامه بعضه سقط الباقي.

فإن قيل: لم جعلت هذه الكفارة قبل المسيس الموجب لها، ولم تجعل كجزاء الصيد وقتل الخطأ وما أشبه ذلك؟ قيل لهم: تلك كفارات وجبت عن الأفعال المتقدمة لها، والقول في الظهار ـ وإن كان منكرا وزورا ـ فلم يُوجب الله فيه كفارة إلا بِمُضَامة الوطء والإرادة له المتصلة به، فلما وجبت وكان القول مانعا من الوطء، غير موجب للكفارة، أوجب الله ـ عز وجل ـ الكفارة، وجعلها موصلة إلى الوطء.


(١) هذا الوجه الذي أشار إليه المؤلف ـ رحمه الله ـ أورده ابن حجر في الفتح (٩/ ٤٣٥) ونسبه إلى القاضي إسماعيل ابن إسحاق قال: " وقال إسماعيل القاضي: لما وقع بعد قوله: ثم يعودون فتحرير رقبة، دل على أن المراد وقوع ضد ما وقع منه من المظاهرة، فإن رجلا لو قال: إذا أردت أن تمس فاعتق رقبة قبل أن تمس، لكان كلاما صحيحا، بخلاف ما لو قال: إذا لم ترد أن تمس فاعتق رقبة قبل أن تمس".
(٢) لوحة رقم [٢/ ٢٦٧].
(٣) عزبت الإرادة بمعنى ذهبت عنه وبعدت، قال في اللسان مادة: عزب: " عَزَب عنه يعْزُب عُزُوبا: ذهب، وأعْزَبه الله: أذهبه ... وعَزَب عني فلان يَعْزُب ويَعْزِب عزُوبا: غاب وبعد ".
(٤) سورة الأعراف (٩٨).

<<  <   >  >>