للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذلك، حتى يتم الصيام كله، فاستغنى بما شرط في الكفارتين عن إعادة الشرط في الكفارة الأخرى؛ لأن صاحبها إن أطعم المساكين في وقت واحد؛ فهو كالمعتق الذي يكون فعله في وقت واحد، وإن أطعمهم متفرقين؛ كان كالصائم الذي لصيامه أول وآخر، ولما قيل: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} (١) علم أنه بدل من الذي قبله، وأنه كلام مضمن بعضه من بعض، ومعطوف بعضه على بعض، وأنه حل محله ووقع موقعه، فلما كانت الكفارة المُبْدأ بذكرها والمثنى، تبيحان الوطء وتحلانه (٢)، كانت الكفارة التي تقوم مقامهما وتحل محلهما، تُحِل له الغشيان، وإن كانت الكفارة الآخرة ليس حكمها ذلك الحكم، فينبغي أن يكون الغشيان على أصل الحظر، كأنها جعلت عقوبة للكلام الذي تكلم به، وأن قد أوُجِبَت عليه حين تكلم بالظهار، وإن لم يعد لما قال، أو طلق أو لم يطلق.

فقولهم هذا قد يصير إلى أن المظاهر قد جاز له أن يغشى من قبل أن يكفر بالعتق أو الصيام؛ لأنه إذا ظاهر ثم لم يجد الرقبة ولم يستطع الصوم، وأبيح له الغشيان من قبل الإطعام، فقد غشي وهو لا يدري أي الكفارات هي الواجبة علية، وهم يقولون بعد هذا الغشيان (٣) أنه إن وجد الرقبة أعتق، وإن قدر على الصوم صام (٤)، فهذه مناقضة.


(١) سورة المجادلة (٤).
(٢) أي: الكفارة بالعتق أو الصوم.
(٣) لوحة رقم [٢/ ٦٤٥].
(٤) ينظر قول الأحناف في: شرح فتح القدير (٤/ ٢٤٤).
ما أورده المؤلف رحمه الله ـ هنا ـ على مذهب الأحناف لا يلزمهم؛ لأن المؤلف ـ رحمه الله ـ بناه على أنهم يقولون بجواز أن يمس امرأته قبل أن يطعم، وقد قدمت في أول حكايته لقول الأحناف أن هذا تسامح منه، إذ هم يقولون بوجوب تقديم الإطعام قبل المسيس، بل قرر أئمتهم أن قولهم بوجوب تقديم الإطعام قبل المسيس لمنع هذا اللازم الذي أورده عليهم المؤلف ـ رحمه الله ـ قال ابن الهُمام في شرح فتح القدير (٤/ ٢٤٤): " الحاصل أنه يجب تقديم الإطعام على المسيس ... والوجوب لم يثبت إلا لتوهم وقوع الكفارة بعد التماس، بيانه: أنه لو قدر على العتق أو الصيام في خلال الإطعام أو قبله لزمه التكفير بالمقدور عليه، فلو جُوِّز للعاجر عنهما القربان قبل الإطعام ثم اتفق قدرته فلزم التكفير به، لزم أن يقع العتق بعد التماس، والمفضي إلى الممتنع ممتنع".

<<  <   >  >>