للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإيجاب الغشيان قبل العتق مخالفة لظاهر القرآن وباطنه؛ لأن الإنسان قبل أن يكفر لا يدري ما يكون كفارة فعله، من عتق أو صيام أو صدقة، وإنما يعلم ذلك حين تقع الكفارة، بالابتداء فيها أو بالفراغ منها، وما لم تقع فهو أمر مغيب عنه لا يدري أي ذلك كفارته.

وقد سمى الله تبارك وتعالى القول فعلا والفعل قولا، فقال عز وجل: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} (١) وهي المعاصي، وقال ـ عز وجل ـ: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ} (٢) وهن معه، وإنما أراد اخترن الدنيا وهو قول.

وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي ظاهر ثم غَشِيَ قبل أن يكفر، أن يعتزل امرأته حتى يقضي ما عليه، فإذا كان هذا فيمن غَشِيَ ووجبت عليه الكفارة على كل حال واجبا؛ فهو فيمن لم يكن منه الغشيان أوجب وأوكد (٣)، والله أعلم.

ونعود على الشافعي فنقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جاءه الذي وطئ قبل أن يكفر، فلم يقل له أن الكفارة قد كانت وجبت عليك، وقال له: ? لا تطأ حتى تكفر? (٤)


(١) سورة النساء (١٠٨).
(٢) سورة الأحزاب (٢٨).
(٣) ووجه ذلك؛ أن من غَشِيَ امرأته بعد الظهار وقبل أن يكفر، فقد لزمته الكفارة وتعلقت بذمته، لا يسعه الخروج منها، ومع هذا فقد أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعتزل امرأته، فمن ظاهر ولم يغش امرأته أولى أن يعتزلها؛ لأن الكفارة لم تلزمه، ولم تتعلق بذمته بعدُ، إذ ربما لا يعود لما قال.
(٤) جزء من حديث تقدم تخريجه في أول كلام المؤلف عن هذه المسألة.

<<  <   >  >>