للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: {أَوْ لَهْوًا} إنما هو تجارة و {لَهْوًا}؛ لأنهم كانوا إذا أتت العير ضرب بين يديها بالدف، ومَرَّ السودان يلعبون بين يديها، ومثل هذا في القرآن كثير؛ قوله سبحانه: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا} (١) إنما هو آثما وكفورا.

وروى جماعة مثل الذي رواه جابر بن عبد الله، وقاله جماعة من التابعين منهم من وصله ومنهم من أرسله (٢)، ولم يختلف في ذلك (٣).

وقال فيه الحسن: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب فقدمت عِيْرٌ، فأسرع الناس إليها، فنزلت: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} فقال: ? والذي نفسي بيده لو تبايعتم؛ لاضطرم ما بينهما نارا? (٤) فلما كان الذي أنكر عليهم البيع الذي تجري به العادة ويدوم الاشتغال به، حرم عليهم، وليس يدوم الاشتغال بالنكاح والعتق وما أشبهه، فلم يدخل ذلك في التحريم، ألا ترى أنه قد رخص لمن تخلف عن الجمعة (٥)، وغلظ على من تركها ثلاثا، فقيل: طبع على قلبه (٦)، فلو أطلق للناس البيع لتشاغلوا به في كل الجُمَع، والنكاح


(١) سورة الدهر (٢٤).
(٢) ينظر في هذه الآثار: الطبري في تفسيره (١٢/ ٩٧) والدر المنثور (٨/ ١٦٥) وتفسير ابن كثير (٤/ ٥٧٤).
(٣) قال الشافعي في أحكام القرآن (١/ ٩٤): " ولم أعلم مخالفا أنها نزلت في خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة".
(٤) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (٣/ ٢٩٢) بنحوه.
والأثر ـ أيضا ـ مخرج في القطعة المتبقية من كتاب القاضي إسماعيل صاحب الأصل.
(٥) لم يختلف أهل العلم في وجوب الجمعة كما في الاستذكار (٢/ ٥٦) ولعل المؤلف أراد بالرخصة هنا: عدم معاجلته بالطبع على قلبه من أول مرة تركها، وإنما أمهله تعالى لعله أن يفيء إلى ربه ويتوب من ذنبه، حتى إذا عاد إلى ذلك ثلاثا، كان دليلا على تهاونه بأمر ربه الموجب للطبع على قلبه، قال في مشكل الآثار (٤/ ٢١٢) في توجيه عدم مؤاخذته من أول تركها: " وذلك رحمة من الله عز وجل، في تأنيه به ثلاثا ليرجع إليها، فلا يطبع على قلبه، أو يتمادى في تركها ثلاثا، فيطبع على قلبه".
(٦) أخرجه أبو داود [١/ ٢٧٧ كتاب، باب التشديد في ترك الجمعة] ابن خزيمة [٣/ ١٧٦ كتاب الجمعة، باب ذكر الدليل على أن الطبع ... ] وابن حبان [٧/ ٢٦ كتاب الصلاة، باب صلاة الجمعة، ذكر طبع الله جل وعلا] والحاكم [١/ ٤١٥ كتاب الجمعة] وقال: صحيح على شرط مسلم، عن أبي الجعد الضمري.

<<  <   >  >>