للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال في الزنا: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً} (١) وقال: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} (٢) يريد أقل ما يجزئ، ففرق سبحانه وجل ثناؤه بين حكم الأبدان والأموال، فأجاز شهادة النساء في الأموال، ولم يجزها فيما كان حكما في الأبدان، من حدود ونكاح وطلاق، وما أشبه ذلك (٣).

وقد يجوز أن يقول قائل: فأنتم تجيزون شهادتهن في الاستهلال (٤)، قلنا: لأنه مال، ولأنه لا يُشهد في الاستهلال مع الحياة؛ لأنه غير محتاج إليه، وإنما تقع الشهادة عليه بعد تلف الصارخ المُسْتَهِل، وهو شيء يؤدي إلى المواريث والأموال، ليس فيه حكم في بدن.

وقال مالك: تُشْهد المرأة على زوجها بالطلاق إن خافت مناكرته شاهدين، ولا يجوز في ذلك غير الرجال؛ لأن ذلك من حكم الأبدان؛ لأنها جنس والأموال جنس، وإنما جازت شهادة النساء في الأموال؛ لأنها أيسر خطبا من الأبدان، ولذلك جاز فيها الشاهد واليمين، وجاز فيها رد اليمين وما أشبه ذلك، وليس يشبه الأموال حكم الأبدان؛ لأن التبايع يصح بين المتبايعين وإن لم يحضرهما أحد، والنكاح لا يصح إلا بعلم غير المتناكحين، وأحكام الطلاق تابعة للنكاح، وقد أجمعوا معنا أن شهادة النساء لا تجوز في الحدود (٥)، فالنكاح والطلاق بالحدود وبحكم الأبدان أشبه منه بالأموال،


(١) سورة النساء (١٥).
(٢) سورة النور (٤).
(٣) ينظر: المدونة (١٣/ ١٦٠) ورسالة أبي زيد القيرواني ص ١٣٢ والنوادر والزيادات (٨/ ٣٩١).
(٤) ذهب المالكية إلى جواز شهادة النساء على استهلال المولود. ينظر: المدونة (١٣/ ١٥٨) ورسالة أبي زيد القيرواني ص ١٣٢ والنوادر والزيادات (٨/ ٣٩٣).
(٥) يريد بذلك الأحناف، فقد قالوا بقول المالكية والشافعية، في عدم قبول شهادتهن في الحدود والقصاص. ينظر: المبسوط (١٦/ ١١٤) وأحكام القرآن للجصاص (٢/ ٢٣١).

<<  <   >  >>