للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شاهداك، قال: عندي شاهد وامرأتان، لَسُمِع منه وحُكِم له بهم إذا شهدوا، فلما هذا كان ليس في لفظ الحديث وهو واجب، كان أيضا لو قال: لي شاهد وأحلف، لقبل ذلك منه، وقد حدثنا محمد بن إبراهيم بن خشنام (١)، قال: حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى (٢) قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي (٣) قال: حدثنا جعفر بن محمد (٤)، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله {أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد في الأموال} (٥) وقال محمد بن علي (٦): وقضى بها علي (٧) بين أظهركم (٨) ـ يعني بالكوفة أو بالعراق ـ والحديث في هذا الباب كثير معروف، وليس بنا حاجة إلى الإطالة به.

وقد احتج قوم في ذلك بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: {لو أعطي قوم بدعاويهم (٩) لادعى قوم دماء قوم وأموالهم، ولكن البينة على المدعي، واليمين على من المنكر} (١٠) ولم يعرفوا المعنى، ومعنى البينة، البيان على المدعي؛ لأنه يدعي ما ظاهره بيد غيره، فكُلِفَ أن يأتي بالبيان على باطن هو أقوى من ظاهر اليد، فإذا أتى من ذلك ببيانين وهما: شاهدان، حكم له، وقيل للمدّعَى عليه: لك بيان وله بيانان وبيانك منك (١١)، فإذا أتى (١٢) بشاهد فقد أتى ببيان واحد هو أقوى من بيان اليد؛ لأنها منه وبيان المدعي من غيره، فنقلت اليمين إليه ليكون ما أمر الله به من الوثيقة، وثيقة لا طعن فيها ولا تضعيف من جاهل أو ضعيف الدراية.

وأما قول الشافعي: أنه يجيز في الأموال شهادة رجل ويمين، ولا يجيز امرأتين ويمين (١٣)، فقد تكلمنا في ذلك في المسألة على العراقيين وعليه، بما فيه كفاية إن شاء الله.

وأما قول أبي حنيفة وأصحابه، فإن منهم من أجاز شهادة النساء في النكاح والطلاق، ومنهم من أجازها في النكاح ولم يجزها في الطلاق (١٤)، ولا أعلم فرقا إذ


(١) هو: محمد بن إبراهيم بن خشنام، أبو عبد الله الأصبهاني، قدم بغداد وحدث بها عن يوسف بن عدي، روى عنه محمد بن مخلد الدوري. ينظر: تاريخ بغداد (٥/ ٢٥٢).
(٢) هو: محمد بن المثنى بن قيس بن دينار العنزي، أبو موسى البصري، قال الخطيب: كان ثقة ثبتا، احتج سائر الأئمة بحديثه، توفي بالبصرة سنة ٢٥٢ هـ. ينظر: تاريخ بغداد (٣/ ٢٨٣) وتهذيب التهذيب (٥/ ٢٥٤).
(٣) هو: عبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت بن أبي العاص الثقفي، أبو محمد الثقفي، قال ابن حجر: ثقة اختلط قبل موته بثلاث سنين، توفي سنة ١٩٤. ينظر: طبقات ابن سعد (٧/ ١٤٦) وتقريب التهذيب ص ٦٣٣.
(٤) هو: جعفر بن محمد بن علي بن الحسين الهاشمي، أبو عبد الله المدني، قال ابن حجر: صدوق فقيه إمام، توفي سنة ١٤٨ هـ. ينظر: الكاشف (١/ ١٣٠) وتقريب التهذيب ص ٢٠٠.
(٥) أخرجه ابن ماجه [٢/ ٤٩ كتاب الأحكام، باب القضاء بالشاهد واليمين] والترمذي [٣/ ٦٩ كتاب الأحكام، باب ما جاء في اليمين مع الشاهد] وصححه مرسلا، والبيهقي [١٠/ ١٧٠ كتاب الشهادات، باب القضاء باليمين مع الشاهد] وصححه، من طريق عبد الوهاب الثقفي، به.
(٦) هو الباقر، تقدم.
(٧) يريد: علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.
(٨) أخرجه الترمذي ـ الإحالة السابقة ـ والبيهقي [١٠/ ٦٩ كتاب الشهادات، باب القضاء باليمين مع الشاهد]
(٩) كذا في الأصل، وفي كتب الصحاح والسنن: بدعواهم.
(١٠) أخرجه البخاري [٥٣٥ كتاب الشهادات، باب إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا] ومسلم [٣/ ١٠٧٨ كتاب الأقضية] من حديث ابن عباس - رضي الله عنه -.
(١١) بيان المدعي هنا الشاهدان، وبيان المدعى عليه براءة الذمة في الأصل مما ادُعِي عليه.
(١٢) (لوحة رقم [٢/ ٢٨٩].
(١٣) ذهب المالكية إلى قبول شهادة امرأتين مع يمين المدعي، وذهب الأحناف والشافعية والحنابلة إلى عدم قبولها.
ينظر: المدونة (١٣/ ١٦٥) والأم (٧/ ٣ ـ ٤٧) والمغني (٩/ ١٤٨) والتمهيد (٢/ ١٥٧).
(١٤) ذهب الأحناف إلى جواز شهادة النساء فيما سوى الحدود والقصاص ومن ذلك النكاح والطلاق، ولم أقف على قول في المذهب لا يجيز شهادتهن في الطلاق، وإنما هو قول النخعي.
ينظر: مختصر اختلاف العلماء (٣/ ٣٤٥) أحكام القرآن للجصاص (٢/ ٢٣١) والمبسوط (٥/ ٣٢) وبدائع الصنائع (٦/ ٢٩٧).

<<  <   >  >>