للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال ـ عز من قائل ـ: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (١) فلو كانت النفقة تجب كما تجب السكنى؛ لما كان للاختصاص معنى (٢)، ووجب بهذا الاختصاص أنها ليست التي يملك زوجها رجعتها؛ لأن التي يملك زوجها رجعتها نفقتها واجبة كانت حاملا أو غير حامل، فكيف يقال فيها: وإن كانت حاملا فأنفق عليها، ولو كان كذلك لخلا الأمر من الفائدة، ومعاذ الله من ذلك، (٣) وأن يكون في القرآن لفظة لا فائدة فيها، وهذا ما لا يذهب على ذي فهم، وإنما ذهب كل فريق إلى رواية لم يتأملوها، ولا وهاءها ووهاء ما ذهبوا إليه.

فأما الذين ذهبوا إلى أن السكنى والنفقة واجبة، فاتبعوا رواية عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: لا ندع كتاب ربنا ـ تبارك وتعالى ـ وسنة نبينا صلى الله عليه (٤)، لقول امرأة، لها السكنى والنفقة (٥)، ونحن نعلم أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لا يقول: لا ندع كتاب ربنا ـ تبارك وتعالى ـ إلا لما هو موجود في كتاب ربنا ـ تعالى اسمه ـ والذي وجدنا في كتاب ربنا ـ جل وعز ـ النفقة لذوات الأحمال، وزاد الراوي من أهل الكوفة (٦): وسنة نبينا ـ


(١) سورة الطلاق (٦).
(٢) والاختصاص هنا: التنصيص في الآية على الحامل؛ وعلى قول من يوجب النفقة والسكنى، فالحامل تشترك في ذلك مع سائر المطلقات، فلا معنى لاختصاصها بالذكر هنا، وقد أجاب الجصاص في أحكام القرآن (٥/ ٣٥٦) عن هذا الإيراد بقوله: " فإن قيل: فما فائدة تخصيص الحامل بالذكر في إيجاب النفقة؟ قيل له: قد دخلت فيه المطلقة الرجعية، ولم يمنع نفي النفقة لغير الحامل، فكذلك في المبتوتة، وإنما ذكر الحمل؛ لأن مدته قد تطول وتقصر، فأراد إعلامنا وجوب النفقة مع طول مدة الحمل، التي هي في العدة أطول من مدة الحيض " أ. هـ.
(٣) (لوحة رقم [٢/ ٢٩٥].
(٤) قال ابن حجر في فتح الباري (٩/ ٤٨١) موضحا قول عمر (وسنة نبينا .. ): " ولعل عمر أراد بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ما دلت عليه أحكامه من اتباع كتاب الله، لا أنه أراد سنة مخصوصة في هذا ".
(٥) سيذكره قريبا بتمامه، وفيه أذكر ـ إن شاء الله تعالى ـ من أخرجه.
(٦) يريد عامر الشعبي، على ما يأتي قريبا.

<<  <   >  >>