للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما ما روي عن الشعبي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: {يا ابنة قيس إنما يكون السكنى والنفقة ما كان لزوجك عليك مراجعة} (١) فهو غلط؛ لأن الشعبي يرى للمطلقة ثلاثا السكنى والنفقة، وروي عنه وعن الحسن وعطاء أنهم قالوا: سكنى ولا نفقة (٢)، وهذا أشبه؛ لأنه موافق للقرآن، غير أن الشعبي في الروايتين جميعا قد أوجب السكنى، وهو خلاف الرواية الأولى، ولعل الشعبي أفتى بخلاف ما روى لإنكار الناس عليه ذلك (٣).

وقد تعلق قوم بشيء رواه ابن جريج، عن أبي الزبير (٤) عن جابر (٥): {أن خالته طلقت فأرادت أن تَجُدّ (٦) نخلها، فأذن لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك} (٧) وقد ذهب عنهم أن


(١) تقدم تخريجه في أول كلامه عن هذه المسألة.
(٢) قول الحسن وعطاء أشار إليه ابن عبد البر في الاستذكار (٦/ ١٦٥) وابن قدامة في المغني (٧/ ٥٣٨).
أما قول الشعبي فلم أجد من نص أنه كان يقول بأن لها السكنى والنفقة، أو أنه يرى لها السكنى دون النفقة، بل المشهور عنه الذي عرف به؛ أنه يذهب إلى حديث فاطمة الذي رواه عنها، فلم ير لها النفقة ولا السكنى، هذا ما اشتهر به قال ابن عبد البر في الاستذكار (٦/ ١٦٧): " وقالت طائفة المطلقة المبتوتة إن لم تكن حاملا لا سكنى لها ولا نفقة منهم الشعبي " ويشهد لهذا ما أخرجه مسلم [٢/ ٩٠٤ كتاب الطلاق] عن أبي إسحاق قال: كنت مع الأسود بن يزيد جالسا في المسجد الأعظم ومعنا الشعبي، فحدث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يجعل لها سكنى ولا نفقة ثم أخذ الأسود كفا من حصى فحصبه به فقال: ويلك تحدث بمثل هذا، قال عمر: لا نترك كتاب الله وسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت لها السكنى والنفقة، وهذا الإنكار لم يمنع الشعبي من المضي على ما روى حتى قال له الأسود فيما أخرجه الدارقطني [٤/ ٢٣ كتاب الطلاق والخلع]: يا شعبي اتق الله، وارجع عن حديث فاطمة بنت قيس، فإن عمر كان يجعل لها السكنى والنفقة، فقلت: لا أرجع عن شيء حدثتني به فاطمة بنت قيس، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
(٣) هذا محل نظر، فقد دلت الآثار ـ كما في الحاشية قبل هذا ـ أنه كان يحدث بخبر فاطمة بنت قيس، لا يرجع عنه، بل إنه لم يرتض حتى إنكار عمر - رضي الله عنه - على فاطمة لما لم يقبل روايتها فقد قال ـ لما قيل له: إن عمر لم يصدقها ـ: (ألا تصدق امرأة فقيهة نزل بها هذا) أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (١٩/ ١٤٥).
(٤) هو: محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم، أبو الزبير المكي، أخرج له مسلم في المتابعات، وقال أبو داود: ليس به بأس. ينظر: طبقات ابن سعد (٥/ ٣٢٦) وتهذيب التهذيب (٥/ ٢٦٥).
(٥) هو: جابر بن عبد الله.
(٦) جد النخل: قال في عون المعبود (٦/ ٢٨٤): " بفتح أوله وضم الجيم بعدها دال مهملة، أي: تقطع ثمر نخلها".
(٧) أخرجه مسلم [٢/ ٩٠٦ كتاب الطلاق] من طريق ابن جريج، بنحوه.

<<  <   >  >>