للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١. التتبع والاستقراء.

لقد كان المؤلف ـ رحمه الله ـ على اطلاع واسع على آثار السلف، ظهر ذلك في قيامه بتتبع واستقراء ما روي عنهم في بعض المسائل، مما مكنه من الانتهاء إلى نتيجة معينة، اعتمد فيها على الاستقراء والتتبع، وقد أشار إلى ذلك في بعض المواضع، كما في قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (١) في مسألة شهادة المرأة، قال: " قال بكر: ثم تأملت كل ما روي عن الصدر الأول والثاني، فمنهم من قال: لا تجوز في الحدود، ومنهم من قرن مع الحدود النكاح والطلاق، ومنهم من استثنى جراح الخطأ، فدل ذلك كله على أنهم أرادوا ألا تقبل شهادتهن فيما قال الله تبارك وتعالى: {أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} (٢) والذي قيل فيه: {ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (٣) والله أعلم" (٤).

ومن آثار هذا التتبع أيضا: أنه كان كثيرا ما يجزم في بعض المسائل بأنه لم يرد فيها عن السلف شيء خلاف ما ذكر، كقوله عند الآية الكريمة: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} (٥) " قال الحسن: الحسنة: لا إله إلا الله، له خير منها يريد: تورثه خيرا دائما. وقال عكرمة: الحسنة لا إله إلا الله، وكل سيئة في القرآن شرك. وقال عطاء: من جاء بالتوحيد فهم {مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ} {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} وهو الشرك. وكذلك قوله سبحانه في والليل: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} (٦) يعني: وصدق بالتوحيد. ولم يختلف من انتهى إلينا تفسيره في ذلك" (٧).

٢. الجمع والتوفيق بين الآثار.

ومن الصور الدالة على ما تميز به أبو الفضل القشيري، من نظرٍ في أقوال السلف، أنه كان في أحيانٍ كثيرةٍ يحاول الجمع بين الآثار، والتوفيق بين الأقوال، بحمل الآية على العموم، فقد قال عند قوله تعالى: {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} (٨) " قال الحسن: قَدِّمِ الفضل وأمسك ما يُبَلغُك. قال قتادة: ولا تنس الحلال، أيّ: ابتغه. قال مجاهد: أن تعمل فيها بطاعتي. وقال ابن عباس والمسعودي: تعمل فيها لآخرتك. وكل هذا عندي حسن، إلا أن المعنى الجامع لما في هذه الآية {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} أداء الفرائض واجتناب المحارم، بعد ذلك ما قَدِرَ عليه من أعمال البر، والله أعلم" (٩).

ومن وسائل توفيقه بين الآثار وحسن فهمه لمعانيها، أنه كان يحمل الخلاف المنقول عنهم والمنسوب إليهم على اختلاف محله ومتعلقه، كمسألة السمر بعد العشاء حيث روي


(١) سورة الطلاق (٢).
(٢) سورة النساء (١٥).
(٣) سورة الطلاق (٢).
(٤) ينظر من هذه الرسالة: سورة الطلاق (٢).
ينظر كذلك: سورة النور الآية (٣٣).
(٥) سورة النمل (٨٩).
(٦) سورة الليل (٧).
(٧) ينظر من هذه الرسالة: سورة النمل الآية (٨٩).
(٨) سورة القصص (٧٧).
(٩) ينظر من هذه الرسالة: سورة القصص الآية رقم (٧٧).
ينظر كذلك: سورة المؤمنون الآية رقم (١) والشعراء الآية رقم (٨٩) وسورة ق الآية رقم (٤٠) الذاريات الآية رقم (١٧).

<<  <   >  >>