للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن السلف ذمه وروي عنهم أيضا فعله، فكان من حسن فهمه أنه وجه الذم على حال تخالف حال الجواز، قال رحمه الله: " وهذا كله فيمن سمر في غير مرضات الله، فأما من جعل سمره مذاكرة لعلم أو ما لا يَسْخَطُه الله عز وجل ويدخل في مرضاته، فلا بأس به، روى أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: قال: عمر قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يزال يسمر عند أبي بكر في الأمر من أمور المسلمين)، وقال عمران بن حصين: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحدثنا عامة ليله عن بني إسرائيل) قال بكر: فالذي كُره من السمر ما لم يكن فيه رضى الله ـ عز وجل ـ ومنافع للعباد، وعلم وآداب" (١).

٣. الاستدراك والمناقشة.

كما تميز المؤلف بأنه يناقش ويستدرك فيما يرويه عن السلف من آثار، ويبين مواطن القوة والضعف، ومثال ذلك ما ورد عند قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} إلى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}، قال: " قال مجاهد {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ} قال: ذنبك {أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} أثقل. وقال قتادة: ذنوب أثقلته فغفرت له. قال القاضي: قول قتادة لا يعجبني؛ لأن ذنوبه - صلى الله عليه وسلم - أصغر الصغائر، وقد وضعها الله عنه، وما يكون بعد ذلك في سورة الفتح، وقد غفرت الصغائر لمن دونه إذا اجتنبت الكبائر" (٢).

٤. الحكم على الآثار.

ومما يشهد لتمكن المؤلف وعدم اكتفائه بمجرد النقل والرواية، أنه كان يحكم أحيانا على بعض الآثار التي يحكيها عن السلف، فيميز الضعيف من الصحيح، والشاذ من المقبول، ومن أكثر الأمثلة وضوحا على ذلك، كلام المؤلف عن الآثار المروية عن السلف في إثبات النفقة والسكنى للمطلقة البائن، عند قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} (٣).

وقد لا يظهر له الحكم على الحديث صحةً أو ضعفا، فيتوقف في ذلك وينبه عليه، من الأمثلة على ذلك عند قوله تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (٤) قال: " وقال أبو هريرة - رضي الله عنه - ـ رُوي عنه إن كان صحيحا ـ إن الإظهار خروج عيسى ابن مريم - عليه السلام -. وقال مجاهد مثل ذلك، وفي قوله: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}. قال بكر: ولا أدري كيف صحة حديث الأسود، ولا ما روي عن أبي هريرة، إلا أن الآية توجب ظهور النبي - صلى الله عليه وسلم - على الأديان كلها" (٥).

٥. الموازنة والاختيار بين كلام السلف.

ومن مظاهر وعي المؤلف فيما ينقل عن السلف، أنه ربما وازن بينها، واختار منها ما يراه صوابا، مدعما اختياره بالدليل، مؤيدا ترجيحه بالبرهان، انظره عند قوله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (٦) حيث قال: " قال سعيد بن جبير:


(١) ينظر من هذه الرسالة: سورة المؤمنون الآية (٦٧).
(٢) ينظر من هذه الرسالة: سورة الانشراح الآية (١ ـ ٤).
ينظر كذلك: سورة التوبة الآية رقم (٣٤) والحج الآية رقم (٢٨) والطلاق الآية رقم (٦).
(٣) ينظر من هذه الرسالة: سورة الطلاق الآية رقم (٦)، ينظر كذلك: سورة الحج (٣٦) المجادلة (٣).
(٤) سورة الصف (٩).
(٥) ينظر من هذه الرسالة: سورة الصف الآية رقم (٩).
(٦) سورة العنكبوت (٤٦).

<<  <   >  >>