٨. بيان حكمة التشريع: من مسالك المؤلف في مناقشة المخالف فيما ذهب إليه بيان الحكمة التي من أجلها شُرع الحكم، كما في مسألة رد شهادة المحدود في القاذف إذا تاب، فقد تكلم مع من ردها من جوانب عدة منها بيان العلة التي من أجلها شرع الله الحد على القاذف، قال:" وأما شريح وإبراهيم فكان عندهما أن توبة القاذف تكون كتوبة غيره تخفى عنهم لقولهما: إنها بينه وبين ربه ـ عز وجل ـ وهذا قول من لم يتأمل أمر القاذف، القاذف لم نجلده لأنه كاذب لا محالة، قد يجوز أن يكون في قذفه بَرْا صادقا، وإنما حَدَدَناه لخفاء صدقه، وعجزه عن الشهداء، وأنه قد كان يجوز له ستر ما علمه إن كان علمه، بل يلزمه ذلك إذا لم تدعه إليه ضرورة، كما تدعو الرجل في زوجته إذا رأى ذلك منها، فذلك مباح له الرمي؛ لأن له مخرجا منه باللعان، فلما كان ذلك كذلك حددناه بظاهر الأمر، فتوبته رجوعه عن القول، لم تكف فيه الحقيقة، كما لم نحده بالحقيقة".
· موقفه من المخالف.
ظهر أبو الفضل القشيري ومن سبقه من شيوخه المالكيين، في بيئة العراق، وهي بيئة تموج موج البحر، بمختلف المذاهب الفقهية، وشتى الفرق الكلامية، والتيارات الباطنية، كلها تتصارع فيما بينها، يغذي صراعها ويذكي جذوتها عديدٌ من العوامل، وكثير من الأسباب، وبيئة كهذه مرتع خصب للتعصب المذموم، ومَسِيْلٌ مُوْرِقٌ للجدال بالحق حينا وبالباطل أحيانا، وفي مثل هذه البيئة كم يكون العدل عزيزا، والانصاف قليلا.
ومن يستصحب هذه البيئة ويعايشها فعلا، لن يستكثر أن يرى بعض الهفوات هنا أو هناك، يَنِدّ بها لسان العالم ويجري به القلم الكاتب.