للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} (١) لكم، يريد: أيسر عليكم وأخف (٢) {أَوْ مِثْلِهَا} (٣) في التكليف وزيادة في الثواب؛ لأن القرآن كلٌ خير، ليس في كلام الله ما ينقص بعضه عن بعض وإنما معناه: خير لكم والله أعلم (٤).


(١) [سورة البقرة: الآية ١٠٦]
(٢) قال شيخ الإسلام: وأيضاً فلا يجوز أن يراد بالخير من جهة كونه أخف عملاً، أو أشق وأكثر ثواباً؛ لأن هذين الوصفين ثابتان لكل ما أمر الله به مبتدأ وناسخاً، فإنه إما أن يكون أيسر من غيره في الدنيا، وإما أن يكون أشق فيكون ثوابه أكثر، فإذا كانت هذه الصفة لازمة لجميع الأحكام لم يحسن أن يقال: ما ننسخ من حكم نأت بخير منه أو مثله، فإن المنسوخ أيضاً يكون خيراً ومثلاً بهذا الاعتبار، فإنهم إن فسروا الخير بكونه أسهل فقد يكون المنسوخ أسهل فيكون خيراً، وإن فسروه بكونه أعظم أجراً لمشقته فقد يكون المنسوخ كذلك، والله قد أخبر أنه لابد أن يأتي بخير مما ينسخه أو مثله، فلا يأتي بما هو دونه. [مجموع الفتاوى: ١٧/ ٤٨].
(٣) [سورة البقرة: الآية ١٠٦]
(٤) مسألة تفاضل القرآن الكريم مسألة تكلم فيها العلماء، وقد بسطها شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته المسماة: (جواب أهل العلم والإيمان أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن) وهي مطبوعة ضمن مجموع فتاويه في المجلد السابع عشر.
وقد انتصر شيخ الإسلام للقول بأن بعض كلام الله أفضل من بعض، وذكر أن اعتقاد المخالفين له في هذه المسألة نشأ من اعتقادهم بأن القول بتفاضل القرآن يؤدي إلى القول بخلق القرآن كما هو مذهب المعتزلة.
حيث قال: ومن حجة هؤلاء أنه إذا قيل بعضه أفضل من بعض كان المفضول ناقصاً عن الفاضل، وصفات الله كاملة لا نقص فيها، والقرآن من صفاته. قال هؤلاء: صفات الله كلها متوافرة في الكمال، متناهية إلى غاية التمام، لايلحق شيئاً منها نقص بحال. ثم لما اعتقد هؤلاء أن التفاضل في صفات الله ممتنع ظنوا أن القول بتفضيل بعض كلامه على بعض لايمكن إلا على قول الجهمية من المعتزلة وغيرهم القائلين بأنه مخلوق، فإنه إذا قيل: إنه مخلوق أمكن القول بتفضيل بعض المخلوقات على بعض، فيجوز أن يكون بعضه أفضل من بعض.
قالوا: وأما على قول أهل السنة والجماعة الذين أجمعوا على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، فيمتنع أن يقع التفاضل في صفات الله القائمة بذاته.
[مجموع الفتاوى: ١٧/ ٧٢، ٧٣]

<<  <   >  >>