للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال علي بن سابط (١) ومجاهد (٢): قبلة الله (٣).


(١) علي بن سابط: لم أعرفه، ولعله عبد الرحمن بن سابط، فهو المشتهر عنه التفسير، وهو من طبقة مجاهد، وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط الجمحي المكي، ثقة كثير الإرسال، مات سنة ١١٨ هـ.
[التقريب: ٥٧٩].
(٢) مجاهد بن جبر، الإمام أبو الحجاج، مولى السائب بن أبي السائب، المقرئ المفسر، قال: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات، كنت أقفه عند كل آية، أسأله فيم نزلت؟ وكيف نزلت؟ ، ولد سنة ٢١ هـ في خلافة عمر، ومات سنة ١٠٣ هـ. [معرفة القراء الكبار: ١/ ٦٦، وطبقات المفسرين للداودي: ٢/ ٣٠٥]
(٣) لم أقف على ما روي عن علي بن سابط، أو عبد الرحمن بن سابط.
وأما أثر مجاهد فقد رواه الترمذي، أبواب تفسير القرآن، سورة البقرة، انظر تحفة الأحوذي: ٨/ ٢٩٤، وابن أبي شيبة في مصنفه: ١/ ٢٩٥ كتاب الصلاة، في الرجل يصلي بعض صلاته لغير القبلة من قال: يعتد بها، وابن جرير في تفسيره: ١/ ٥٠٥، ٥٠٦، وابن أبي حاتم في تفسيره: ١/ ٢١٢ بنحوه، والبيهقي في سننه: ٢/ ١٣ كتاب الصلاة، باب استبيان الخطأ بعد الاجتهاد.
ولئلا يتوهم متوهم، أو يظن ظان أن ما أثر هنا عن مجاهد في تفسيرهذه الآية من باب تأويل الصفات، أورد هنا كلاماً نفيساً لشيخ الإسلام في معرض رده على من قال: إن مجاهد والشافعي تأولا هذه الآية، وهما من السلف، حيث قال: قلت: هذه الآية ليست من آيات الصفات أصلاً، ولا تندرج في عموم قول من يقول: لا تؤول آيات الصفات.
قال: أليس فيها ذكر الوجه؟ فلم قلت: المراد بها قبلة الله، قال: أليست هذه من آيات الصفات؟ قلت: لا، ليست من موارد النزاع، فإني أسلم أن المراد بالوجه هنا: القبلة، فإن الوجه هو الجهة في لغة العرب، يقال: قصدت هذا الوجه، وسافرت إلى هذا الوجه، أي: هذه الجهة، وهذا كثير مشهور، فالوجه هو الجهة، وهو الوجه كما في قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة: ١٤٨] أي: متوليها، فقوله تعالى: {وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} كقوله: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} كلتا الآيتين في اللفظ والمعنى متقاربتان، وكلاهما في شأن القبلة، والوجه والجهة هو الذي ذكر في الآيتين، أنا نوليه: نستقبله.
قلت: والسياق يدل عليه؛ لأنه قال: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا} وأين من الظروف، وتولوا أي: تستقبلوا، فالمعنى: أي موضع استقبلتموه فهناك وجه الله، فقد جعل وجه الله في المكان الذي يستقبله، هذا بعد قوله: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} وهي الجهات كلها، كما في الآية الأخرى: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: ١٤٢] فأخبر أن الجهات له، فدل على أن الإضافة إضافة تخصيص وتشريف، كأنه قال: جهة الله وقبلة الله والغرض أنه إذا قيل: (فثم قبلة الله) لم يكن هذا من التأويل الذي ينكره منكرو تأويل آيات الصفات، ولا هو مما يستدل به عليهم المثبتة، فإن هذا المعنى صحيح في نفسه، والآية دالة عليه، وإن كانت دالة على ثبوت صفة فذاك شيء آخر. [مجموع الفتاوى: ٦/ ١٦، ١٧]

<<  <   >  >>