للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنما احتذى (١) النبي - صلى الله عليه وسلم - مناسك إبراهيم - عليه السلام -، وقد تطوف بهما، وتطوف المسلمون بهما (٢)، وثبت الطواف بهما وصار واجباً ليس لأحد تركه، وهو من فرائض الحج والله أعلم (٣).


(١) حذا حذوه: فعل فعله، ويقال: فلان يحتذي على مثال فلان إذا اقتدى به في أمره. [اللسان: ١٤/ ١٧٠].
(٢) قال ابن جرير: وإنما أعلم الله تعالى ذكره بقوله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} عباده المؤمنين أن السعي بينهما من مشاعر الحج التي سنها لهم، وأمر بها خليله إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، إذ سأله أن يريه مناسك الحج، وذلك وإن كان مخرجه مخرج الخبر فإنه مراد به الأمر؛ لأن الله تعالى ذكره قد أمر نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - باتباع ملة إبراهيم - عليه السلام -، فقال له: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}، وجعل تعالى ذكره إبراهيم إماماً لمن بعده، فإذا كان صحيحاً أن الطواف والسعي بين الصفا والمروة من شعائر الله ومن مناسك الحج، فمعلوم أن إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - قد عمل به، وسنه لمن بعده، وقد أمر نبينا - صلى الله عليه وسلم - أمته باتباعه، فعليهم العمل بذلك على ما بينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
[تفسير ابن جرير: ٢/ ٤٤، وانظر أحكام القرآن للطحاوي: ٢/ ٩٥، ٩٨].
(٣) ما ذكره المؤلف هنا من أن السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج وفرض من فروضه مذهب المالكية،
وهو قول: عائشة، وعروة، والشافعي، وأحمد في رواية المذهب، وإسحاق، وأبو ثور، وداود الظاهري.
[أحكام القرآن لابن العربي: ١/ ٧١، وبداية المجتهد: ١/ ٤٢١، والمغني: ٥/ ٢٣٨، والمجموع: ٨/ ١٠٥].
وممن ذهب إلى أنه واجب من واجبات الحج، إذا تركه وجب عليه دم: الحسن البصري، وقتادة، والثوري، وأبو حنيفة، وأحمد في رواية عنه، وانتصر لها القاضي أبو يعلى وابن قدامة.
[أحكام القرآن للطحاوي: ٢/ ٩٨، والاستذكار: ١٢/ ٢٠٢، والمغني: ٣/ ٢٣٩، والمجموع: ٨/ ١٠٥].
= وممن ذهب إلى سنيته، ولا دم على من تركه: ابن مسعود، وأبي بن كعب، وابن عباس، وأنس، وابن الزبير، وابن سيرين، وأحمد في رواية. [تفسير ابن جرير: ٢/ ٤٩، والمغني: ٣/ ٢٣٩، والمجموع: ٨/ ١٠٥].
والراجح القول الأول وهو ما صوبه ابن جرير بقوله: والصواب من القول في ذلك عندنا: أن الطواف بهما فرض واجب، وأن على من تركه العود لقضائه ناسياً كان أو عامداً؛ لأنه لا يجزيه غير ذلك، لتظاهر الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه حج بالناس فكان مما علمهم من مناسك حجهم الطواف بهما. [تفسير ابن جرير: ٢/ ٥٠].
* لوحة: ١٠/أ.

<<  <   >  >>