للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والله أعلم بما أراد من ذلك. وليس يحرم على الإنسان بإجماع الجماعة * أن يهب الرجل ماله وأن يودعه (١)، فلما كانا جائز ين كان للإنسان أن يأمن على ماله من شاء في الأمانة والذمة، لا يحرم ذلك عليه؛ لأن الذي حرم الله عليهم في البيوع الربا (٢)، وأبواب الغرر (٣) إذ كان ذلك كله في الأثمان نفسها إلى بعضها، عوض من بعض، فأما الثمن إذا ملكه إنسان فسواء ائتمن عليه مبايعة، أو إنسان غيره، وكذلك أمروا بالرهن احتياطاً كما أمروا بالشهادة احتياطاً ووثيقة بالمال، وذكر الرهن إذا لم تمكن الشهادة ليعلم أن الرهن يكون وثيقة إلى منتهى مبلغه كما تكون الشهادة وثيقة لمبلغ الشيء لمن أراد تركهما ثقة بمعاملته وسكوناً إليه، كان له ذلك، كما له أن يودع ماله من شاء، فإن أراد الاستيثاق لماله فقد جعل الله الشهادة والرهن وثيقة، فإذا أخذ الرهن وأشهد على أنه رهن فقد توثق لماله، وإذا أشهد شاهدين فقد توثق لماله.

وقد قال العراقيون - مخالفة لباطن الآية ومخالفة للسنة - بترك إجازة الشاهد واليمين (٤)،


* لوحة: ٦٨/أ.
(١) قال ابن قدامة: أجمع علماء كل عصر على جواز الإيداع والاستيداع. [المغني: ٩/ ٢٥٦].
(٢) قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥].
(٣) الغرر هو: ما كان له ظاهر يغر المشتري، وباطن مجهول. [النهاية في غريب الحديث: ٣/ ٣٥٥].
وقد روى مسلم في صحيحه: ٣/ ١١٥٣ كتاب البيوع حديث: ٤ عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر.
(٤) شرح معاني الآثار: ٤/ ١٤٨، أحكام القرآن للجصاص: ١/ ٧٠١.
وممن وافق العراقيين: محمد بن زفر، وابن شبرمة، والأوزاعي، والليث، والحكم، وشعبة، ووافقهم من المالكية: يحيى بن يحيى، والأندلسيون.
[أحكام القرآن للجصاص: ١/ ٧٠١، إكمال المعلم: ٥/ ٥٥٩، تفسير القرطبي: ٣/ ٣٩٣].

<<  <   >  >>