للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما جعل الله الشاهدين - مع علمه بأن أحدهما قد يموت قبل صاحبه ويبقيه - لم يجز أن يأمر بما في علمه أنه غير وثيقة، فلما علم الله عز وجل ذلك، وكانت اليمين للمدعى عليه إذا لم تكن بينة يدفع بها عن نفسه لقوته باليد (١) المدعى عليه، كان المدّعي إذا مات أحد الشاهدين أقوى بالشاهد الواحد من المدعى عليه باليد؛ إذ كانت يده بياناً منه، وشهادة الشاهد بياناً للمدعي من غيره، فوجب بذلك أن تكون اليمين * له، فيكون ما أمر الله به وثيقة صحيحة منا، إذا بطل (٢) بعضها لم يبطل المال ببعضها، كالرهن الذي جعله الله وثيقة متى تلف تلفاً ظاهراً كان المال ثابتاً على الغريم لا يزول بتلف الرهن، فيكون ما حكم به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الشاهد واليمين (٣) مستخرجاً من باطن الآية.


(١) اليد يعبر بها عن اليمين، وذلك أن اليمين سميت بذلك؛ لأنهم كانوا إذا تحالفوا ضرب كل واحد منهم بيمينه على يمين صاحبه، وقيل: سميت باسم يمين اليد؛ لأنهم كانوا يبسطون أيديهم إذا تحالفوا وتعاقدوا.
[اللسان: ١٣/ ٤٦٣].
* لوحة: ٦٨/ب.
(٢) في الأصل: بطل بعضها لم يبطل المال ببعضها، والصواب ما أثبت.
(٣) روى مسلم في صحيحه: ٣/ ١٣٣٧ كتاب الأقضية حديث: ٣ عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بيمين وشاهد.
وقد أخذ بهذا الحديث جمهور أهل العلم من السلف والخلف، روي ذلك عن: الخلفاء الراشدين، والفقهاء السبعة، وعمر بن عبد العزيز، والحسن، وشريح، وربيعة، ومالك، وابن أبي ليلى، وأبي الزناد، والشافعي، وأحمد.
الأم: ٦/ ٢٥٤، الإشراف للقاضي عبد الوهاب: ٢/ ٩٦٤، المغني: ١٤/ ١٣٠، تفسير القرطبي: ٣/ ٣٩٣.

<<  <   >  >>