فإنه من المعلوم أن السموات والأرض أو غيرهما من المخلوقات ليست مخلوقة منذ الأزل، بل هي حادثة، فحين خلقها الله لا بد أن تكون قد تجددت له صفة لم تكن موجودة من قبل، فبخلقه للسماء قامت به صفة الخلق لها لأن السماء لم تكن مخلوقة من قبل، ومعنى ذلك -حسب تعبير أهل الكلام- أن الله حلت به الحوادث التي لم تكن موجودة من قبل. فالذين ينفون الصفات الفعلية وحلول الحوادث قالوا بأن الخلق هو المخلوق والفعل هو المفعول، ومعنى ذلك صفة الخلق أو الفعل لا تقوم بالله -تعالى- ويفسرون أفعاله تعالى أن ذلك وجد بقدرته من غير أن يكون منه فعل قام بذاته، بل حاله قبل أن يخلق وبعد ما خلق سواء، لم يتجدد عندهم إلا إضافة نسبة وهي أمر عدمي لا وجودي، وهذا هو مذهب الأشاعرة ومن وافقهم، وسبب التزامهم هذا القول دليلهم على حدوث العالم. أما جمهور أهل السنة ومن تابعهم كالكرَّامية والصوفية والماتريدية وبعض المعتزلة -كل طائفة بحسب أصولها- فيقولون: إن الخلق غير المخلوق والفعل غير المفعول، فيثبتون صفة الخلق والفعل قائمة بالله، ويقولون بوجود المخلوق والمفعول المنفصل عن الله -تعالى-، ومعلوم أن أهل السنة يثبتون صفات الفعل لله -تعالى- وأنها تتعلق بميشئته وإرادته وقدرته وحكمته، فإذا اقتضت حكمته فعلُها فَعَلها وإن اقتضت حكمته أن لا يفعلها لم تكن، فهي قديمة النوع أو الجنس وإن كانت أحاده توجد شيئاً فشيئاً حيناً وآخر. ورد أهل السنة دعوى الأشاعرة أن القول بأن الخلق هو المخلوق يستلزم التسلسل وهذا ممتنع، بأن التسلسل ليس تسلسلاً في الفاعلين والعلل الفاعلة، وإنما هو تسلسل في الآثار، وهو حصول الشيء بعد شيء، والسلف على إثباته، وهذا عمدة أدلة الأشاعرة، وسيعود المؤلف إلى الكلام عن هذه المسألة بعد صفحات قليلة ص ١٤٦. وللتوسع. انظر: خلق أفعال العباد للبخاري ص ١١٢ ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٦/ ١٤٩، ٢٢٩ - ٢٣٠، ٢٩٨ والملل والنحل ١/ ١٠٨، ولوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية شرح الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية للعلامة محمد السفاريني ١/ ٢٥٢ - ٢٥٣ الطبعة الثالثة ١٤١١ هـ، الناشر المكتب الإسلامي- بيروت لبنان، وموقف ابن تيمية من الأشاعرة، تأليف د. عبد الرحمن المحمود ٣/ ١٢٠٤ - ١٢٠٧. (١) بسط المؤلف هذا الموضوع في عدة مواضع من كتبه منها: درء تعارض العقل والنقل، تحقيق د. محمد رشاد سالم ٢/ ٢٦٤ - ٢٧٠، ٤/ ٦٠، ٥٩/ ٥٧٩، طبعة دار الكنوز الأدبية. =