أبي داود عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"ما من أحد يسلم عليّ إلا رد الله عليّ روحي حتى أرد عليه السلام"(١)، وهذا الحديث هو الذي اعتمد عليه العلماء كأحمد وأبي داود وغيرهما في السلام عليه عند قبره وزيارة قبره، إذ لم يكن معهم سند يستندون إليه في زيارة قبره إلا هذا الحديث، والأحاديث التي رويت في زيارة قبره ضعيفة بل موضوعة، وأكثرها وضعت بعد الإمام أحمد وأمثاله.
فهذه النصوص التي ذكرناها تدل على أنه يسمع سلام القريب ويبلَّغ سلام البعيد وصلاته، لا أنه يسمع ذلك المصلي والمسلِّم، وإذا لم يسمع الصلاة والسلام من البعيد إلا بواسطة فإنه لا يسمع دعاء الغائب واستغاثته بطريق الأولى والأحرى، والنص إنما يدل على أن الملائكة تبلغه الصلاة والسلام، ولم يدل على أنه يبلغه غير ذلك.
والحديث الذي فيه:"ما من رجل يسلم عليّ إلا ردّ الله عليّ روحي حتى أرد عليه السلام"، فهمَ العلماء منه السلام عند قبره خاصة فلا يدل على البعيد، فإن السنة إذا زار الرجل القبور مطلقاً أن يسلم عليهم ويدعو لهم، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج إلى أهل البقيع يسلم عليهم.
وقد بسط الشيخ الكلام في هذا الموضع بسطاً طويلاً ومقصوده توحيد الله سبحانه، وطلب الحوائج منه والذب عن حومة الإخلاص وأن لا يسأل إلا الله.
[١٤ - صور السؤال وحكم كل صورة]
قال الشيخ: فإن هنا أربعة معاني أحدها: أن يسأل الله تفريج الكربة بالمتوسل به، ولا يسأل المتوسل به شيئاً، كما يفعله كثير ممن يتوسل بالأموات.
الثاني: أن يسأل الله ويسأل المتوسل به أن يدعو كما كان الصحابة يتوسلون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في الاستسقاء، ثم من بعده بعمه العباس، وبيزيد بن الأسود الجرشي وغيرهما.
والثالث: أن يسأل المتوسل به أن يسأل الله له تفريج الكربة ولا يسأل الله.