للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بتوسط فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجميع الحادثات من عنده بهذا الاعتبار، ولكن المقصود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصدر منه فعل في هذه التوبة، إلا أنه بلغ (١) رسالة الله -تعالى- بالتوبة، كما قال في مثل ذلك: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥)} [يونس: ١٥].

وما يتكلم به الإنسان من تلقاء نفسه وإن كان الله خالقه؛ هو من عند الله باعتبار خلقه وتقديره، فليس هذا المعنى هو ذاك، فإنه هناك مبلِّغ لكلام مرسله والله يجعله مبلغاً له لا يجعله قائلاً من تلقاء نفسه، ولهذا توعد الله من جعل القرآن قول البشر، بقوله: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر: ٢٦]، وقد قال تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (٤٢)} [الحاقة: ٤٠ - ٤٢]، فجعله قول رسول من البشر، كما جعله قول رسول من الملائكة؛ في قوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١)} ١٩ - ٢١]، [لأن] (٢) لفظ الرسول يستلزم المرسل ويدل على أنه مبلغ له عن مرسله لا يتكلم به من تلقاء نفسه، بخلاف من جعله قولاً لمخلوق بشر (٣) أو ملك أو جني، أو جعل شيئاً منه قوله، فإن هذا هو الذي توعده الله -عز وجل-.

وأيما أبلغ قول عائشة -رضي الله عنها-: "لا أحمد الرسول ولا أحمد إلا الله"، وقول الأسير: "أتوب إلى الله لا إلى محمد"، وقول القائل: لا يستغاث بالرسول بل بالله، أو لا يدعى الرسول وإنما يدعى الله ونحو ذلك؟!! وهو - صلى الله عليه وسلم - قد بلغ براءتها وكان يحبها ويحب براءتها، وقد خطب الناس قبل ذلك وقال: "من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما علمت على أهلي إلا


(١) (بلغ) سقطت من (د).
(٢) كذا في (ف) و (د) و (ح)، وفي الأصل (لا أن).
(٣) كذا في (ف) و (د)، وفي الأصل بشراً بالنصب وهو خطأ لأن "بشر" صفة لمخلوق مجرور مثله.

<<  <   >  >>