للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مقامات العارفين؛ ومن لوازم سلوك السالكين، ومنهم من جعل هذا منتهى سير العارفين، وسموا ملاحظة هذا فناء في توحيد الربوبية أو اصطلاماً ونحو ذلك، فالذين جعلوا هذا منتهى للوصول رفعوا استحسان الحسنات واستقباح القبائح، وقالوا: استحسان الحسنات واستقباح السيئات يكون لأصحاب البقاء والفرق؛ لا لأهل الجمع والاصطلام والفناء في التوحيد، وأما الذين جعلوه مقاماً أو لازمًا للسالك فقالوا: بعد هذا مقام أعلى منه وهو مشهد الفرق الثاني.

وكان قد وقع بين الجنيد (١) وأبي الحسين [النوري] (٢) وأصحابهما كلام في الفرق الثاني واضطربوا، كما ذكر ذلك أبو سعيد ابن الأعرابي (٣) في "كتاب طبقات النساك"، وذكر أن كلامهم في الفناء والجمع لم يشتركوا فيه إلا في [العبارة] (٤)، وأن هذا يشير إلى معنى غير المعنى الذي يشير إليه هذا، وأنه لم يحصل ما يعبر عنه بالفرق الثاني، وذكر أن أبا [الحسين النوري] (٥) لما قدم بغداد بعد أن كان خرج عنها، وكان قد خرج هو وغيره في محنة


(١) هو الجنيد بن محمد النهاوندي ثم البغدادي، يوافق السلف في الاعتقاد، وعنده تعبد وزهد على طريقة الصوفية، نسبت إليه رسائل مكذوبة. انظر: السير ١٤/ ٦٦ ترجمة رقم ٣٤، والأعلام ٢/ ١٤١.
(٢) في جميع النسخ النووي، وبعض المؤلفين يذكره هكذا، والصواب النوري بالراء كما في كتب التراجم، وكما ذكره المؤلف في كتاب الاستقامة ١/ ١٥٨، ١٧٩، ١٨٠، ٢٥١، ٤١٠، ٢/ ١٥ - ١٦ وهو أبو الحسين أحمد بن محمد الخرساني الزاهد، من الصوفية بالعراق، فسد عقله، وجرت عليه محنة في بغداد، لما أمر الخليفة المعتمد في سنة ٢٦٤ هـ بالقبض على الصوفية، لما نسبوا للزندقة، انقبض عن الصوفية وجفاهم، وغلبت عليه العلة، وعمي ولزم الصحارى، توفي قبل الجنيد سنه ٢٩٥ هـ. انظر: السير ١٤/ ٧٠ ترجمة رقم ٣٥، والبداية والنهاية ١١/ ١١٣.
(٣) هو أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد الأعرابي البصري الصوفي، جمع وصنف، وتعبد وتأله، وحمل "السنن" عن أبي داود، لا يقبل شيئًا من اصطلاحات الصوفية إلا بحجة، توفي في سنة ٣٤٠ هـ. انظر: السير ٥/ ٤٠٧ ترحمة رقم ٢٢٩، والأعلام ١/ ٢٠٨ ولم أقف على كتاب "طبقات النساك".
(٤) كذا في (ف) وفي الأصل و (د) و (ح) (العبادة) بالدال.
(٥) في جميع النسخ (أبا الحسن النووي) والصواب ما أثبت أعلاه.

<<  <   >  >>