للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال لهم هذا لما قالوا: إنك حلفت أن لا تحملنا، وكان قد قال: "ما عندي ممّا أحملكم عليها، فبيّن لهم أني حلفت للعسرة والعجز، وأن الله يسر بالحمولة، فهو الّذي حملكم، ومع هذا فإني أحنث في يميني للمصلحة الراجحة، وأكفّر.

هذا الكلام يتضمن (١) جوابين من النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - كلّ منهما مستقل، وأمّا الجواب بأحدهما كأنّه يقول: أنا ما حملتكم وإن كنت حملتكم أنا أكفِّر، وعلى الأوّل يقول: الحمل الّذي طلبتموه ما حصل مني بل من الله، والحمل الّذي حلفت عليه أكفّر عنه.

الوجه الثّالث عشر: قوله: (فإن صح هذا الحديث (٢) لا يكون كما قال، من جعل الصديق بتأويله مخطئًا من غير ضرورة، بل يكون الحديث حثًا على الاستغاثة به - صلى الله عليه وسلم -).

فيقال: أنت الّذي جعلته مخطئًا، حيث قال: إنّه [يستغيث] (٣) بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، فنفى النّبيّ ما أثبته، وقال: ليس هذا استغاثة بي؛ بل بالله، بل قولكم يستلزم تخطئة الرسول حيث جعلتم (٤) من طلب من مخلوق حاجة لم يطلبها منه، بل إنّما (٥) يطلبها من الله، وهذا مكابرة للحس والشّرع والعقل، وعلى ما قاله يجوز أن يقال لمن سأل كافرًا حاجة واستغاث به ما سألته ولا استغثت به، ويكون من قال إنّه سأل كافرًا مخطئًا، وهذا كما أنّه تخطئة منهم للصدِّيق،


= فقد ورد بالأرقام التالية: ٣١٣٣، ٤٣٨٥، ٤٤١٥، ٥٥١٨، ٦٦٢٣، ٦٦٤٩، ٦٦٧٨، ٦٦٨٠، ٦٧١٨، ٧٥٥٥، وأقرب لفظ إلى لفظ المؤلِّف هو ما أخرجه في (كتاب التّوحيد، باب قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (٩٦)}) ٥/ ٢٣٦٢ رقم ٧٥٥٥. وأخرجه مسلم أيضاً بألفاظ متقاربة في (كتاب الإيمان، باب ندب من حلف يمينًا، فرأى غيرها خير منها) ٣/ ١٢٦٨) رقم ١٦٤٩.
قال النووي -رحمه الله- في شرح هذا الحديث: قال الماوردي: معناه أن الله -تعالى- أتاني ما حملتكم عليه ولولا ذلك لم يكن عندي ما أحملكم عليه. شرح مسلم للنووي ١١/ ١٢١.
(١) في جميع النسخ إما ويظهر أنّها زيادة، وليسر لها معنى.
(٢) الحديث وسيأتي تخريجه ص ١٩٩.
(٣) كذا في (ف) و (د) و (ح) وفي الأصل: لا يستغيث.
(٤) في (ف) جعلت.
(٥) في (د) وإنَّما.

<<  <   >  >>