للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بكر، فيقول: "هذا رجل يهديني السبيل" (١)، فيحسب الحاسب أنه يريد الطريق، وإنما يريد سبل (٢) الخير، وكذلك عين المشركين يوم بدر لما جيء به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: وسأله فقال: لا أخبركم حتى تخبروني من أين أنتم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن أخبرتنا أخبرناك، فأخبرهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نحن من ماء" (٣).

[مع] (٤) أن ما نحن فيه ليس من هذا الباب، فإنه لم يحصل كتمان ولا تعريض، بل صرح بالأمر على ما هو عليه، وإنما المقصود بيان جهل هؤلاء الضالين المعتدين.

وأيضاً فيخاف من الناس من يجزع إذا أوذي، ويطلب الإقالة، ويستغيث بالحاضرين حتى يدفعوا عنه ما طلبه ولي الأمر من قطع لسانه، ومن نفي عن البلد فلا يدخله إلا سراً (٥)، ودخل في قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١١٤)} [البقرة: ١١٤].

فإن هذا المفتري سعى في منع من يذكر ما أمر الله به في المسجد، فمنع من سكنى البلد الذي فيه المسجد وأخرج منه، فلم يكن يدخل المسجد إلا خائفاً، وحصل له من الخزي ما لا يعرف لأحد مثله في زمانه، وكأن له شبه في أبي عامر الراهب (٦) الذي بني له مسجد الضرار، وكان قد قدح في


(١) أخرجه البخاري في (كتاب الأنصار، باب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة) ٣/ ١٩٦ برقم ٣٩١١ من حديث أنس بن مالك وأوله: "أقبل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ يعرف، ونبي الله - صلى الله عليه وسلم - شاب لا يعرف ... الحديث".
(٢) في (د) سبيل.
(٣) أخرجه ابن إسحاق في السيرة النبوية ٢/ ٦١٦ من طريق محمد بن يحيى بن حبان، ومن طريقه أخرجه ابن جرير الطبري في تاريخ ٢/ ١٤١، وابن كثير في تاريخه أيضاً ٣/ ٣٠٠.
(٤) كذا في (ف) و (د) و (ح)، وفي الأصل كلمة غير واضحة.
(٥) يشير إلى قصة حصلت للبكري مع السلطان، انظر: ترجمة البكري في المقدمة.
(٦) هو أبو عامر عبد عمرو بن صيفي النعمان أحد بني ضبيعة بن زيد، وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة، ترهَّب في الجاهلية ولبس المسوح فسُمي الراهب، وقد فارق قومه الخزرج لما اجتمعوا على الإسلام، وذهب إلى مكة وقاتل مع كفار قريش في أحد، وخرج إلى هرقل الروم يستنصره على النبي - صلى الله عليه وسلم - فوعده ومنَّاه؛ فكتب إلى جماعة من قومه من أهل النفاق أن يتخذوا له معقلاً يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لأداء كتبه وقد مات =

<<  <   >  >>