للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرسل - صلى الله عليه وسلم - كمبايعة فرعون وأمثاله من المشركين، وهذا يقع فيه كثير ممن يلحظ القيومية الشاملة العامة المتناولة لكل مخلوق، وهؤلاء من أكفر الخلق، ويجعلون هذا منافياً للأمر والنهي، وهم من جنس الذين قالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا} إلى قوله: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} (١) [الأنعام: ١٤٨].

فإن (٢) هؤلاء إنما يتبعون أهواءهم ولا يتكلمون بعلم فإن قولهم في غاية المناقضة، فإن الواحد من هؤلاء إذا آذاه غيره أو ظلمه قابله وعاقبه ولا يمكنه أن يعذره بالقدر ومشاهدة القيومية، كما قد بسط الكلام عليه في غير هذا الموضع.

وجهة تفضيل الرسول - صلى الله عليه وسلم - من جهة كون الله -تعالى- أرسله مبلغاً لأمره ونهيه، مبيّناً لما يحبه ويرضاه وما يبغضه ويسخطه، فما أمر به الرسول فالله آمر به، وما نهى عنه فالله نهى عنه، ومن بايعه فعاهده وعاقده (٣)؛ على أن يطيعه في الجهاد إذا أمر به، وعلى (٤) أن [لا يفر] (٥) و (٦) على أن يقاتل حتى يموت كما بايعه المسلمون تحت الشجرة (٧)، فهم معاهدون لله معاقدون له على طاعته فيما أطاعوا فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك الذين بايعوه قبل ذلك ليلة العقبة لما بايعه الأنصار، ولهذا قال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [المائدة: ٧]، فسمعهم وطاعتهم لما أمرهم ومعاهدتهم على ذلك هو سمع وطاعة لله -تعالى- ومعاهدة له، وعهد الله إلى خلقه هو (٨) أمره ونهيه الذي بلغته رسله.


(١) قوله تعالى: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} ساقط من الأصل.
(٢) في (د) كذلك.
(٣) في (د) وعاهده وعاقد.
(٤) (وعلى) سقط من (د) و (ف).
(٥) كذا في (د) و (ف) وفي الأصل، و (ح) لا يفروا، والسياق عن المفرد.
(٦) في (د) أو.
(٧) يشير إلى بيعة المسلمين للنبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة الحديبية، تحت الشجرة يقول تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: ١٨]، وأخرج البخاري في (كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية) ٣/ ١٢٧٠ رقم ٤١٦٩ عن يزيد بن أبي عبيد قال: قلت لسلمة بن الأكوع: على أي شيء بايعتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية؟ قال: على الموت.
(٨) في (د) وهو.

<<  <   >  >>