للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالوا: والاستعاذة لا تجوز بالمخلوق, وقول القائل أعوذ بالله معناه أستجير بالله، فإذا لم يجز أن يستغاث بمخلوق لا نبي ولا غيره, فإنه لا يجوز أن يقال له: "أنت خير معاذ يستغاث به" بطريق الأولى والأحرى.

ولهذا قال بعض الشعراء لبعض الرؤساء الممدوحين:

يا من ألوذُ به فيما أؤمله ... ومن أعوذ به فيما أُحاذره

لا يجبر الناسُ عظماً أنت كاسره ... ولا يهيضون عظماً أنتَ جابره (١)

فقول القائل لمن مات من الأنبياء أو غيرهم: بك أستجير من كذا وكذا، كقوله: بك أستعيذ، وقوله: بك أستغيث في معنى ذلك, إذا كان مطلوبه منع الشدة أو رفعها، والمستعيذ بطلب منع المستعاذ منه أو رفعه, فإذا كان مخوفاً (٢) طلب منعه، كقوله: "أعوذ بالله من عذاب جهنم, ومن عذاب


= واللفظ له، وابن السني في (عمل اليوم والليلة، باب من يخاف مردة الشياطين) رقم ٦٤٢ ص ٢٣٨، ومالك في الموطأ في (كتاب الشعر, باب ما يؤمر بالتعوذ منه) رقم ٢١٠/ ٩٥٠ , وأبو يعلى في مسنده رقم ٦٨٤٤، ١٢/ ٢٣٧، قال الهيثمي في مجمع الزوائد ١٠/ ١٢٧: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني، ورجال إسنادي أحمد وأبي يعلى وبعض أسانيد الطبراني رجال الصحيح. أ. هـ.
وقال العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ٢/ ٥١٨ رقم ٨٤٠: والإسناد صحيح، ورجاله إلى ابن خنبش على شرط مسلم، وقد اختلفوا في صحبته، وقد اختار الحافظ ابن حجر في الإصابة قول من جزم بأن له صحبة، وهذا الحديث يشهد لذلك، فإنه قد صرح فيه أنه أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -. أ. هـ.
(١) البيتان لأبي الطيب المتنبي -الشاعر المشهور- في مدح جعفر بن كيغلغ من قصيدة مطلعها:
حاشى الرقيب فخانته ضمائره ... وغيض الدمع فانهلت بوادره
انظر: ديوان المتنبي طبعة ١٤٠٣ هـ، الناشر دار بيروت - لبنان ص ٤١، وقد أسرف في المدح. قال ابن كثير في البداية والنهاية ١١/ ٢٧٥: بلغني عن شيخنا العلامة شيخ الإسلام ابن تيمية: أنه كان ينكر على المتنبي، هذه المبالغة في مخلوق، ولقول: إنما يصلح هذا لجناب الله -سبحانه وتعالى-، وقال ابن القيم: سمعت ابن تيمية يقول: ربما قلت هذين البيتين في السجود، أدعو الله بما تضمناه في الذل والخضوع. أ. هـ. وقال ابن القيم أيضاً في شفاء العليل في القضاء والقدر ٢/ ١٩١: ولو قال ذلك في ربه وفاطره لكان أسعد به من مخلوق مثله. أ. هـ.
(٢) في (د) و (ح) لخوف.

<<  <   >  >>