للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

براءتها وكذلك علي؛ ولكن لخوض الناس فيها ورميها بالإفك توقف، قالوا: وذلك أن نساء الأنبياء ليس فيهن بغيّ، كما قال طائفة من السلف: "ما بغت امرأة نبي قط" (١)، لأن في ذلك من العار بالأنبياء ما يجب نفيه، وقال آخرون: بل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حصل له نوع شك وترجحت عندة براءتها؛ ولما نزل الوحي حصل اليقين، قالوا: والدليل على ذلك أنه استشار في طلاقها [عليًّا] (٢) وأسامة، فأسامة قال: "أهلك يا رسول الله ولا نعلم إلا خيراً"، وقال علي: "لا يضيق الله عليك والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك"، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - بريرة فقال (٣): "ما علمت على عائشة أو ما رأيت؟ "فقالت: ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر، غير أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها حتى تأتي الداجن (٤) فتأكله" (٥).


= هذه القصة سبباً لها، وابتلاء وامتحان لرسوله، ولجميع الأمة إلي يوم القيامة.
ولما كان هو المقصود - صلى الله عليه وسلم - بالأذي فلم يليق به أن يشهد براءتها مع علمه، أو ظنه الظن المقارب للعلم ببراءتها، وعنده - صلى الله عليه وسلم - من القرائن التي تشهد ببراءة الصدّيقة أكثر مما عند المؤمنين، ولكن لكمال صبره وثباته وحسن ظنه بربه، وثقته به، وفّى مقام الصبر والثبات وحسن الظن بربه حقه، حتي جاءه الوحي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا القول أولي الأقوال، وقد ذهب إليه ابن القيم وعبد الغني المقدسي والشايع وغيرهم.
للتوسع انظر: حديث الإفك تأليف عبد الغني المقدسي تحقيق هشام السقا ص ٤٣ وما بعدها، طبعة ١٤٠٥ هـ، الناشر دار عالم الكتب الرياض، وزاد المعاد في هدي خير العباد لابن قيم الجوزية ٣/ ٢٥٩، تحقيق شعيب وعبد القادر الأرنؤوط الطبعة الخامسة والعشرون ١٤١٢ هـ، الناشر مؤسسة الرسالة بيروت - لبنان ومكتبة المنار الإسلامية - الكويت، وفتح الباري لابن حجر ٨/ ٦٠٨ وما بعدها، وروح المعاني للعلامة الألوسي ١٨/ ١٢٢ وما بعدها، وطهارة بيت النبوة تأليف خالد الشايع الطبعة الأولى ١٤١٤ هـ، الناشر دار الجلالين ودار الجلالين ودار بلنسية الرياض - السعودية ص ١٥ وما بعدها.
(١) روي هذا عن ابن عباس والضحاك وغيرهما. انظر: تفسير الطبري ١٢/ ١٦١، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٨/ ٢٠٢.
(٢) كذا في (ط) وهو الصواب لأنه مفعول به منصوب، وفي الأصل و (ف) و (د) و (ح) لعلي.
(٣) في (ف) فقالت.
(٤) الداجن: هي الحمام والشاة وغيرهما التي ألفت البيوت. القاموس المحيط ص ١٥٤٢ فصل الدال.
(٥) أخرجه البخاري في (كتاب التفسير، باب قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ =

<<  <   >  >>