للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: أبو سعيد ثم باتوا معه ليلة لم أكن معهم كان ابن عطاء (١) ورويم (٢)، فأقبل ابن عطاء يسأله فإذا أصابه بشيء عكسه عليه ابن عطاء، ثم يسأله عما ينشيه، فإذا أجابه؛ قال: هذا ضد الجواب الأول يا أبا الحسين قياسًا وتشبيهاً، فكان منه إليه كلام فيه جفاء، وكذلك فعل أيضاً، فقالوا: إنه يقول الشيء وضده ولا يعرف هذا [إلا قول] (٣) سوفسطا (٤) ومن قال بقوله، وكان بينهم وحشة بذلك، وكان يكثر منهم التعجب، وقالوا للجنيد ذلك، فأنكر عليهم حينئذٍ، وقال: لا تقولوا مثل هذا لأبي الحسين، ولكنه رجل به علة قد تغير دماغه، ثم إنه انقبض عن جميعهم بعد تلك الليلة، وأظهر لمن اتهمه منهم الجفاء، وترك مجالستهم، ثم غلبت العلة، وذهب بصره، ولزم الصحارى والجبانات والمقابر، وكانت له في ذلك أحوال طويلة كثيرة يطول شرحها وذكرها (٥).

قال: ولم أحضره عند موته، قال (٦) جماعة من أصحابنا يقولون: من رأى أبا الحسين بعد قدومه الرقة؛ ولم يكن رآه قبل ذلك فكأنه لم يره لتغيره بعد قدومه، إلا أنه مات وهم عنده يتكلمون في شيء سكوتهم عنه أولى بهم، لأنه ليس شيئًا عندهم يعرفونه، وإنما يتوهمونه (٧) فيتكهنون فيه ويتعسفون بظنونهم (٨)،


(١) هو أبو العباس، أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء البغدادي، كان زاهداً، عابداً، صحح حال الحلّاج، وامتحن بسببه حتى مات، فقد عقله ثمانية عشر عاماً، ثم ثاب إليه، مات سنة ٣٠٩ هـ. انظر: السير ٤/ ٢٥٥ ترجمة رقم ١٦٠، والبداية والنهاية ١١/ ١٥٤.
(٢) في (د) (دريم) وهو: أبو الحسن وقيل أبو محمد، رويم بن أحمد، وقيل: رويم بن محمد بن يزيد بن رويم البغدادي، وهو رويم الصغير، وجده رويم الكبير أيام المأمون، امتحن في بغداد أيام غلام خليل، وفر إلى الشام، مات ببغداد سنة ٣٠٣ هـ. انظر: السير ١٤/ ٢٣٤ ترجمة رقم ١٣٨، والأعلام ٣/ ٣٧.
(٣) ما بين المعقوفتين من السير ١٢/ ٧٥، وفي جميع النسخ (القول).
(٤) في السير ١٤/ ٧٥ ولا نعرف هذا إلا قول سوفسطاً. وهم السوفسطائيون: فرقة من فلاسفة اليونان كانوا مجادلين مغالطين في العلم، أنكروا المحسوسات والبدهيات. انظر: الفلسفة اليونانية تأليف يوسف كرم ص ٤٥.
(٥) انظر: هذه الحكاية في السير للذهبي ١٤/ ٧٤ - ٧٥ بشيء من التفصيل.
(٦) كذا في جميع النسخ، وفي (ط) (كان).
(٧) في (د) (يتوهمون).
(٨) كذا في (ح)، وفي الأصل لم تنقط، وفي (ف) و (د) (بطولهم).

<<  <   >  >>