للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي استطراد آخر: هل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم براءة عائشة أم لا؟ فقد أراد بهذا الاستطراد أن يوضح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يعلم الغيب وأنه بشر، والرد على من يغلو فيه - صلى الله عليه وسلم - ويرفعه إلى درجة الألوهية (١).

ويعلل المؤلف الإطالة فيقول: "ونحن نتكلم على ما ذكره وإن لم يختص بمسألتنا، لما فيه من تمام الكلام على ما ذكره كله" (٢)، ويقول أيضاً: "وبعض الناس يكون الطريق كلما كان أدق وأخفى وأكثر مقدمات وأطول كان أنفع له، لأن نفسه اعتادت النظر الطويل في الأمور الدقيقة، فإذا كان الدليل قليل المقدمات، أو كانت جلية، لم تفرح نفسه به" (٣).

ويكرر المؤلف ما يذكره في مواضع عديدة، فمثلاً وصف حال القبورية واستغاثتهم بشيوخهم، وإضلال الشياطين لهم، ذكر هذا عدة مرات بصيغ مختلفة، وقد أراد بذلك التأكيد على ضلالهم في هذه القضية، فهي قضية الكتاب الأساسية، وفي التكرار بطرح متجدد فائدة عظيمة لاختلاف أفهام الناس، ويعلل المؤلف ذلك بقوله: "ولولا أن أصحاب هذا القول كثروا، وظهروا وانتشروا وهم عند كثير من الناس سادات الأنام، ومشايخ الإسلام، وأهل التوحيد والتحقيق، وأفضل أهل الطريق، حتى فضلوهم على الأنبياء والمرسلين وأكابر مشايخ الدين، لم يكن بنا حاجة إلى بيان فساد هذه الأقوال، وإيضاح هذا الضلال، ولكن يعلم أن الضلال لا حد له، وأن العقول إذا فسدت لم يبق لضلالها حد معقول، فسبحان من فرق بين نوع الإنسان، فجعل منه من هو أفضل العالمين، وجعل منه من هو شر من الشياطين، ولكن تشبيه هؤلاء بالأنبياء والأولياء كتشبيه مسيلمة الكذاب بسيد أولي الألباب، هو الذي يوجب جهاد هؤلاء الملحدين، الذين يفسدون الدنيا والدين" (٤).

ولا يخفى أن الكتاب لم يؤلف مرة واحدة، بل على مرحلتين، بينهما فترة من الزمن، مما أدى إلى بُعد المؤلف عن أوله، وبالتالي تكرر طرح بعض


(١) انظر: ص ٣٦٨ وما بعدها.
(٢) انظر: ص ٤١٤.
(٣) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٩/ ٢١٣.
(٤) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٢/ ٣٥٧ - ٣٥٨.

<<  <   >  >>