يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي أن يكشف عن بصري، اللهم فشفّعه فيّ"، فرجع وقد كشف الله بصره.
وقال أحمد في مسنده: حدثنا روح، حدّثنا شعبة عن عمير بن يزيد الخطمي المديني قال: سمعت عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدث عن عثمان بن حنيف أن رجلاً ضريراً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا نبي الله ادع الله أن يعافيني، فقال: إن شئت أخّرت ذلك فهو أفضل لآخرتك، وإن شئت دعوت لك"، قال: بل ادع الله لي، فأمره أن يتوضأ وأن يدعو بهذا الدعاء:"اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى لي، اللهم فشفعني فيه وشفعه فيّ"، قال: ففعل الرجل فبرأ، فهذا الحديث فيه التوسل به إلى الله في الدعاء، فمن الناس من يقول: هذا يقتضي جواز التوسل به مطلقاً حياً وميتاً، وهذا يستدل به من توسل بذاته بعد موته وفي مغيبه، ويظنون أن توسل الأعمى والصحابة به في حياته كان بمعنى الإقسام به على ربه؛ أو بمعنى أنهم سألوا الله بذاته ولا يحتاج هو أن يدعو لهم ولا إلى أن يطيعوه، ويظنون أن كل من توسل بالرسول كما توسل به ذلك الأعمى مشروع له.
وقول هؤلاء باطل شرعاً وقدَراً، فلا هم موافقون لشرع الله ولا ما يقولونه مطابق لخلق الله، ومنهم من يقول هذه قضية عين فيثبت الحكم في نظائرها التي تشبهها في مناط الحكم، لا يثبت الحكم بها فيما هو مخالف لها لا مماثل لها، والفرق ثابت شرعاً وقدراً بين من دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين من لم يدع له، فلا يجوز أن يجعل أحدهما كالآخر، وهذا الأعمى شفع له النبي - صلى الله عليه وسلم - ولهذا قال في دعائه:"اللهم فشفعه فيّ" فعلم أنه شفع فيه، وكذلك قوله:"إن شئت صبرت وإن شئت دعوت لك"، فقال: ادع لي فدعا له، وقد أمره أن يصلي ويدعو لنفسه أيضاً، فحصل الدعاء من الجهتين، وكذلك قول عمر في استسقائه بالعباس.
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - علَّم رجلاً أن يتوسل به في حياته؛ كما ذكر عمر أنهم يتوسلون به إذا أجدبوا، ثم إنهم بعد موته إنما كانوا يتوسلون بغيره بدلاً عنه، فلو كان التوسل به حياً وميتاً سواء؛ والمتوسل به الذي دعا له الرسول كمن