للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والتِّيهُ: التَّحيُّر الذي لا يُهتَدى لأجلِه للخروجِ إلى الطَّريقِ المستقيم، والتِّيهُ: التكبُّر، مِن ذلك، والتَّيهاءُ: الأرضُ التي لا يُهتَدَى فيها، وكان التِّيهُ مقدارَ ستَّةِ فراسخ عرضًا، في اثني عشرَ فرسخًا طولًا.

وقال مقاتل: أوحى اللَّهُ تعالى إلى موسى عليه السَّلام أنِّي أحبِسُهم بالنَّهار، وأسيَّرُهم باللَّيل أربعينَ سنة، فإذا بلغَ أجلُهم أربعين سنةً، أرسلتُ عليهم الموتَ، فلا يَدخلُها إلَّا خلوفُهم، غير يوشعَ وكالب، وهما يسوقان بني إسرائيلَ إلى تلك الأرضِ، فتاهَ القومُ في ستة فراسخ، وقالوا لموسى: ما صنعْتَ بنا، ونَدِمَ موسى على ما دعا عليهم (١).

وقيل: لم يقصد موسى بالدُّعاء هذا النوعَ من العذاب، بل أرادَ بهم ما هو أخفُّ منه، وحَزِنَ بهذا، فخفَّفَ اللَّه تعالى عليه ذلك، وذلك قوله تعالى: {فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}؛ أي: لا تحزَن عليهم بما أصابَهم وهم فاسقون مستحِقُّون لذلك.

قال مقاتل: ثمَّ إنَّ اللَّهَ تعالى أخرجَ ذراريهم بعد أربعين سنةٍ، وقد هلكَتِ العُصاةُ في التَّيه، فأتَوا أريحا، فقتلوا مقاتليهِم، وسبوا ذرارِيهم، وقتلَ ثلاثةً مِن الجبَّارين، ومات في التِّيهِ كلُّ ابن عشرين سنة، ومات هارونُ في التِّيهِ، ومات موسى بعدَهُ بسنةٍ، واستخلف على بني إسرائيل يوشع بن نون (٢).

وقيل: قد أُجيبَتْ دعوةُ موسى في الفَرْق بينه وبينهم؛ فإنَّهم كانوا محبوسين في التِّيه، وموسى وهارون ويوشع وكالب لم يكونوا محبوسين، بل كانوا مخيَّرين،


(١) انظر: "تفسير مقاتل" (١/ ٤٦٧ - ٤٦٨).
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" (١/ ٤٦٨).