للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عبيد: لأنْ أكونَ أعلمُ أنَّ اللَّهَ قد تَقبَّل منِّي مثقالَ حبَّةٍ من خردل أحبُّ إليَّ مِن الدُّنيا وما فيها، وتلا هذه الآية (١).

وقالوا: قُبلَ قُربان هابيل لتعظيمه، ورُدَّ قُربان قابيلَ لتحقيرِه، وما ينبغي لأحدٍ أنْ يَترُكَ تعظيمَ اللَّه فيما يَتقرَّبُ به إليه، قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} الآية [الحج: ٣٢]، وقال تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا} الآية [الحج: ٣٧] - اجتمع في قابيل عقوقُ الأبِ، وحَسَدُ الأخ، وتحقيرُ القُربان، والتَّأخيرُ في الائتمار، فأفضى به ذلك إلى ردِّ الأمر والوقوعِ في الكفر، وكذلك إيثارُ (٢) المعاصي والإصرارُ عليها والاستهانةُ بها.

* * *

(٢٨) - {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}.

وقوله تعالى: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}؛ أي: لئن مددتَ، و (اللَّام) للقسم، وكذلك أجيب بـ {مَا} الذي هو مِن جواب القسم، ولولاه لكان بالفاء؛ لأنَّ جوابَ الشرط كذلك، وإذا اجتمعا، وصَدرُ الكلامِ للقَسَم، كان اعتبارُه أولى.

وقوله تعالى: {مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} قيل: أي: أستَسْلِمُ وأصبرُ، ولا أعارض، وكانت معارضةُ القاتِلِ يومئذٍ حرامًا، والتَّسليمُ واجبًا، فأخبرَ أنَّه يَخافُ اللَّه، ولا يَرتكبُ الحرام.


(١) أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (٧٨ - زوائد حماد)، وابن أبي الدنيا في "الإخلاص والنية" (٢٠)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (٢/ ١٧).
(٢) في (ف): "إتيان".