للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ}؛ أي: ليُبْصِرَهُ كيف يُخفي جثَّةَ أخيه، وقد كانت أنتنَت، فسُمِّيَت سوأةً لذلك.

وقيل: السوءةُ: العورةُ هاهنا، كما في قوله: {يُوَارِي سَوْآتِكُمْ} [الأعراف: ٢٦]، وقوله: {لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} [الأعراف: ٢٧].

وقال قتادةُ: قَتلَ غرابٌ غرابًا، ثمَّ جعلَ يحثو عليه (١).

وقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: جاء غرابٌ حيٌّ إلى غرابٍ ميتٍ، فواراهُ في التُراب (٢).

وقال الحسينُ بن الفضل: بعث اللَّهُ غرابًا يَبحثُ في الأرضِ بمنقارِه، فعلم أنَّه يَبحثُ الأرضَ ليدفنَ بها أخاه.

وقال بعضُهم: جاء الغرابُ وأثارَ الأرضَ، ووارى به هابيل (٣).

وظاهرُ الآيةِ يَحتمِلُ كلَّ ذلك، واللَّهُ أعلمُ بحقيقة ما كان.

والإمامُ أبو منصور رحمه اللَّه جعل الروايةَ الصَّحيحةَ مواراةَ الغرابِ هابيلَ، لا الغراب الآخر؛ لأنَّه قال: {سَوْءَةَ أَخِيهِ}، والغرابُ لا يكون له سوأَةٌ (٤).

وقوله تعالى: {قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ}؛ أي: قال قابيل: {يَاوَيْلَتَا} وهي كلمةُ تأسُّف على ما فَعَلَ، فلا نفعَ له.

وقيل: الويلُ والويلة: الهلاك، وهذا على وجهِ النِّداء، والألفُ في آخرِه للنُّدبة، وتقديرُ النِّداء في مثل هذا: يا ويلةُ احضري، فقد آنَ أوانُك.


(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٨/ ٣٤٣).
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (٨/ ٣٤٢).
(٣) في (ف): "أخاه" بدل: "هابيل".
(٤) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٣/ ٥٠١).