للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ} استفهامٌ بمعنى التعجُّب، وتقديره: أعجَزتُ عن أن أكونَ، وهذا تَحسُّرٌ منه على ما فاتَه مِن مقدارِ هذا العلم الذي وقفَ عليه الغرابُ.

قوله تعالى: {فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي} نصبَ بالفاء في جوابِ الاستفهام.

وقوله تعالى: {فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ}؛ أي: صار نادمًا على حملِهِ، لا على قتلِه، قال وهبُ بن منبِّه: حملَهُ ثلاثةَ أيَّامٍ لا يَدري ما يَصنع به، حتَّى بعثَ اللَّهُ تعالى الغُرابين.

وقال الكلبيُّ رحمه اللَّه: حملَهُ سنةً.

وقال مجاهدٌ: حملَهُ مئة سنةٍ يَطوفُ به.

وقال الكلبيُّ: ندم على حملِه والتَّطوافِ به، ولو كانت ندامتُه على قتلِه، لكانت توبةً له.

وقال الحسينُ بنُ الفضل رحمه اللَّه: كانت ندامتُه على ذنبِه، وكذلك قال في قوله تعالى: {فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ} [الشعراء: ١٥٧]: إنَّهم ندموا على قتلِها، لكنَّ ندمَ الأوَّلين لم يكن توبةً، وكانوا يعاقَبون على جنايتِهم بعد ندامتِهم، كما عُرِف في الذين عَبدوا العجلَ وندِموا، كما قال تعالى: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ} [الأعراف: ١٤٩]، ومع ذلك عُوقِبوا بقَتلِ أنفسِهم، وإنَّما جُعِلَ النَّدمُ توبةً في حقِّ هذه الأمَّةِ خاصَّةً.

وقال الإمام أبو منصورٍ رحمَه اللَّه: ويَحتمل أن يكون: {فَأَصْبَحَ} بمعنى: فيصبح، يعني: في القيامة، ماضٍ بمعنى المستقبل، كما في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} [المائدة: ١١٦] (١).

وقيل: لمَّا قتلَهُ نُودي: كنْ خائفًا أبدًا، لا تَرى أحدًا إلَّا خفتَهُ أنْ يَقتلك.


(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٣/ ٥٠٠).