للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكانوا معروفين بقتلِ الأنبياءِ، وقتلُهم قتلُ كلِّ العالم، أو هو في حقِّ كلِّ مقتولٍ، لكن خُصَّ بنو إسرائيل بهذا التغليظ، كما خُصُّوا بسائرِ التَّغليظات.

وقيل: هو في حقِّنا كذلك، ومعنى الآية: أنَّ نفعَ هذا الواحدِ كان يَصلُ إلى كلِّ المؤمنين، وكان يقوم ببدنِه في مصالحِ كلِّ المؤمنين، وكان يقول بلسانِه: اللهمَّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات، فيَصِلُ ذلك إلى كلِّ المؤمنين.

وقال الحسينُ بنُ الفضل رحمه اللَّه: هذا في حقِّ قتل المؤمن، فقد قال النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المسلمون كنفسٍ واحدة" (١)، فكان قتلُه قتلَهم.

وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: ويَحتمِلُ أنَّه في أول قتيلٍ (٢) قُتِل، حتَّى جعلَ النَّاسُ يَقتلون بعد ذلك بعضَهم بعضًا، يَستنُّون به، وقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من سنَّ سنةً سيِّئةً، فلهُ وِزرُها ووِزرُ مَن عمِلَ بها إلى يوم القيامة" (٣).

وقيل: أي: يَجِبُ عليه من القَتلِ ما يَجبُ عليه لو قتلَ النَّاس جميعًا.

وقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} وهو في العفوِ عن القصاصِ، وإبقائه حيًّا، وهو إبقاءُ النَّفعِ منه على كلِّ النَّاس، فهو كإحياءِ كلِّ النَّاس.

وقوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ}؛ أي: ولقد جاء بني إسرائيلَ هؤلاء {رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ} الواضحاتِ الدَّالَّاتِ على صدقِهم.

وقوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}؛ أي: بعد


(١) لم أقف عليه.
(٢) لفظ: "قتيل": ليس في (أ).
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٣/ ٥٠١)، والحديث رواه مسلم في "صحيحه" (١٠١٧) من حديث جرير رضي اللَّه عنه.