فِيمَا يَعُمُّ وُجُودُهُ فَانْقَطَعَ وَقْتُ حُلُولِهِ لَمْ يَنْفَسِخْ لِأَنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ، فَأَشْبَهَ إفْلَاسَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فَيَتَخَيَّرُ الْمُسَلِّمُ بَيْنَ فَسْخِهِ وَالصَّبْرِ حَتَّى يُوجَدَ فَيُطَالِبَ بِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَلَوْ عَلِمَ قَبْلَ الْمَحِلِّ انْقِطَاعَهُ عِنْدَهُ فَلَا خِيَارَ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ وُجُوبِ التَّسَلُّمِ.
وَالْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ وُجُودُهُ (فِي الْغَالِبِ) مِنْ الْأَزْمَانِ، فَلَا يَصِحُّ فِيمَا يَنْدُرُ وُجُودُهُ كَلَحْمِ الصَّيْدِ بِمَحَلٍّ يَعِزُّ وُجُودُهُ فِيهِ لِانْتِفَاءِ الْوُثُوقِ بِتَسْلِيمِهِ. نَعَمْ لَوْ كَانَ السَّلَمُ حَالًّا وَكَانَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ بِمَوْضِعٍ يَنْدُرُ فِيهِ صَحَّ كَمَا فِي الِاسْتِقْصَاءِ، وَلَا فِيمَا لَوْ اسْتَقْصَى وَصْفُهُ عَزَّ وُجُودُهُ كَاللَّآلِئِ الْكِبَارِ وَالْيَوَاقِيتِ، وَجَارِيَةٍ وَأُخْتِهَا أَوْ خَالَتِهَا أَوْ عَمَّتِهَا أَوْ وَلَدِهَا، أَوْ شَاةٍ وَسَخْلَتِهَا فَإِنَّ اجْتِمَاعَ ذَلِكَ بِالصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةِ فِيهَا نَادِرٌ.
(وَ) السَّادِسُ: (أَنْ يُذْكَرَ) فِي السَّلَمِ الْمُؤَجَّلِ (مَوْضِعُ قَبْضِهِ) إذَا عَقَدَا بِمَوْضِعٍ لَا يَصْلُحُ لِلتَّسْلِيمِ كَالْبَادِيَةِ، أَوْ يَصْلُحُ وَلِحَمْلِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ مُؤْنَةٌ لِتَفَاوُتِ الْأَغْرَاضِ فِيمَا يُرَادُ مِنْ الْأَمْكِنَةِ. أَمَّا إذَا صَلُحَ لِلتَّسْلِيمِ وَلَمْ يَكُنْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ فَلَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
الشَّوْبَرِيُّ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ إلَخْ) يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ، فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ فِيهِ الْبَيْعُ بِالتَّلَفِ.
قَوْلُهُ: (فَيَتَخَيَّرُ) أَيْ عَلَى التَّرَاخِي عَلَى الْمُعْتَمَدِ ق ل، فَلَهُ الْفَسْخُ وَلَوْ بَعْدَ أَنْ أَجَازَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (بَيْنَ فَسْخِهِ) أَيْ فِي جَمِيعِهِ دُونَ بَعْضِهِ الْمُنْقَطِعِ فَقَطْ، م ر
قَوْلُهُ: (كَمَا فِي الِاسْتِقْصَاءِ) اسْمُ كِتَابٍ لِابْنِ الْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْتَقْصَى فِيهِ نُصُوصَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْقَدِيمَةَ وَالْجَدِيدَةَ،. اهـ. ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. قَوْلُهُ: (وَلَا فِيمَا اسْتَقْصَى) أَيْ اسْتَوْعَبَ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهَا عِزَّةَ الْوُجُودِ، قَالَ الْعَبَّادِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَتْنِ: وَكَاللَّآلِئِ الْكِبَارِ لِنُدْرَةِ اسْتِقْصَاءِ الْأَوْصَافِ مِنْ ذِكْرِ حَجْمٍ وَشَكْلٍ وَوَزْنٍ وَصَفَاءٍ وَلَوْنٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (فِي السَّلَمِ الْمُؤَجَّلِ) لَيْسَ قَيْدًا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ، فَمَفْهُومُهُ فِيهِ تَفْصِيلٌ؛ فَالْأَوْلَى حَمْلُ الْمَتْنِ عَلَى الْأَعَمِّ مِنْ الْمُؤَجَّلِ وَالْحَالِّ وَتَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ مَوْضِعُ الْعَقْدِ غَيْرُ صَالِحٍ لِلتَّسْلِيمِ، سَوَاءٌ كَانَ لِلنَّقْلِ إلَيْهِ مُؤْنَةٌ أَوْ لَا، فَيَصْدُقُ حِينَئِذٍ بِأَرْبَعِ صُوَرٍ يَجِبُ فِيهَا الْبَيَانُ وَيَبْقَى التَّفْصِيلُ فِي مَفْهُومِ الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ مَوْضِعُ الْعَقْدِ صَالِحًا، فَيُقَالُ: إنْ كَانَ السَّلَمُ مُؤَجَّلًا وَجَبَ الْبَيَانُ إنْ كَانَ لِلنَّقْلِ إلَيْهِ مُؤْنَةٌ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ، وَإِنْ كَانَ حَالًّا لَا يَجِبُ الْبَيَانُ سَوَاءٌ كَانَ لِلنَّقْلِ إلَيْهِ مُؤْنَةٌ أَوْ لَا.
فَمُحَصِّلُ الصُّوَرِ ثَمَانِيَةٌ يَجِبُ الْبَيَانُ فِي خَمْسَةٍ وَلَا يَجِبُ فِي ثَلَاثَةٍ وَكُلُّهَا فِي الشَّرْحِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَصَنِيعُ الشَّارِحِ هُنَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّلَمَ إمَّا حَالٌّ وَإِمَّا مُؤَجَّلٌ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ بِمَحِلٍّ صَالِحٍ لِلتَّسْلِيمِ أَوْ لَا، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ أَمْ لَا؛ فَالصُّوَرُ ثَمَانِيَةٌ. فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ مَحِلُّ الْعَقْدِ لِلتَّسْلِيمِ وَجَبَ الْبَيَانُ مُطْلَقًا، أَيْ حَالًّا كَانَ أَوْ مُؤَجَّلًا، لِحَمْلِهِ مُؤْنَةً أَمْ لَا، وَإِنْ صَلُحَ لِذَلِكَ وَلَيْسَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ لَمْ يَجِبْ الْبَيَانُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا وَإِنْ صَلُحَ وَلِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ وَجَبَ الْبَيَانُ فِي الْمُؤَجَّلِ دُونَ الْحَالِّ، فَيَجِبُ الْبَيَانُ فِي خَمْسِ صُوَرٍ؛ قَالَهُ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ نَقْلًا عَنْ م ر. وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
مَهْمَا يَكُنْ مَحِلُّ عَقْدِ السَّلَمِ ... بِهِ انْتَفَى الصَّلَاحُ لِلتَّسَلُّمِ
فَوَاجِبٌ بَيَانُ ذَاكَ مُطْلَقًا ... أَوْ كَانَ صَالِحًا فَفِيهِ حُقِّقَا
إنْ لَمْ تَكُنْ مُؤْنَةٌ لِلْحَمْلِ ... فَذَا الْبَيَانُ لَمْ يَجِبْ فِي كُلِّ
وَإِنْ تَكُنْ مُؤْنَةٌ تَحَقَّقَتْ ... فَفِي الْمُؤَجَّلِ الْبَيَانُ قَدْ ثَبَتَ
قَوْلُهُ: (بِمَوْضِعٍ لَا يَصْلُحُ لِلتَّسْلِيمِ) صَادِقٌ بِأَرْبَعِ صُوَرٍ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ تَقْيِيدِ الشَّارِحِ بِالْمُؤَجَّلِ؛ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِلْحَالِّ