للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ فِي الضَّمَانِ

وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الِالْتِزَامُ وَشَرْعًا يُقَالُ لِالْتِزَامِ حَقٍّ ثَابِتٍ فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ أَوْ إحْضَارُ عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ أَوْ بَدَنِ مَنْ يُسْتَحَقُّ حُضُورُهُ وَيُقَالُ لِلْعَقْدِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ وَيُسَمَّى الْمُلْتَزِمُ لِذَلِكَ ضَامِنًا وَزَعِيمًا وَكَفِيلًا وَغَيْرَ ذَلِكَ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ أَخْبَارٌ كَخَبَرِ «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَخَبَرِ الْحَاكِمِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحَمَّلَ عَنْ رَجُلٍ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ»

وَأَرْكَانُ ضَمَانِ الْمَالِ خَمْسَةٌ ضَامِنٌ وَمَضْمُونٌ لَهُ وَمَضْمُونٌ عَنْهُ وَمَضْمُونٌ بِهِ وَصِيغَةٌ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَنَبْدَأُ بِشَرْطِ الضَّامِنِ فَنَقُولُ (وَيَصِحُّ ضَمَانُ) مَنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ وَيَكُونُ مُخْتَارًا فَيَصِحُّ الضَّمَانُ مِنْ سَكْرَانَ وَسَفِيهٍ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

[فَصْلٌ فِي الضَّمَانِ]

ذَكَرَهُ بَعْدَ الْحَوَالَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قَطْعُ النِّزَاعِ وَلِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا شَغْلُ ذِمَّةٍ بِدَيْنٍ لَمْ تَكُنْ مَشْغُولَةً بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ. وَالنُّونُ فِي الضَّمَانِ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً إنْ أُخِذَ مِنْ الضَّمِّ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَمِّ ذِمَّةٍ إلَى أُخْرَى، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَصْلِيَّةٌ إنْ أُخِذَ مِنْ الضِّمْنِ لِأَنَّ الْمَالَ فِي ضِمْنِ ذِمَّةِ الضَّامِنِ، وَعِبَارَةُ ق ل: مِنْ الضِّمْنِ لِأَنَّ الْمَالَ فِي ضِمْنِ ذِمَّةِ الضَّامِنِ لَا مِنْ الضَّمِّ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَمِّ ذِمَّةٍ إلَى أُخْرَى لِأَنَّ نُونَهُ أَصْلِيَّةٌ.

قَوْلُهُ: (لِالْتِزَامِ) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءً كَانَ لِمَالٍ أَوْ لَا، وَسَوَاءً كَانَ بِعَقْدٍ أَوْ لَا. وَالِالْتِزَامُ أَثَرُ الْعَقْدِ وَثَمَرَتُهُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْتِزَامُ الْمَالِ ضَمَانًا لِأَنَّ الْمُتَكَفِّلَ بِدَيْنِ غَيْرِهِ يَجْعَلُهُ فِي ذِمَّتِهِ وَكُلُّ شَيْءٍ جَعَلْتَهُ فِي شَيْءٍ فَقَدْ ضَمَّنْتَهُ إيَّاهُ، فَالضَّمَانُ مِنْ الضِّمْنِ عَلَى هَذَا. وَذَكَرَ أَقْسَامَ الضَّمَانِ الثَّلَاثَةَ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ أَشَارَ لِضَمَانِ الْمَالِ بِالْأَوَّلِ وَأَشَارَ لِضَمَانِ رَدِّ الْعَيْنِ بِقَوْلِهِ أَوْ إحْضَارِ عَيْنٍ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى حَقٍّ وَالِالْتِزَامُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ، وَأَشَارَ لِلْكَفَالَةِ بِقَوْلِهِ: أَوْ بَدَنٍ، فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى عَيْنٍ وَالْإِحْضَارُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَطْفَ ب " أَوْ " فَكُلُّ وَاحِدٍ عُطِفَ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَأَدْخَلَ " أَوْ " فِي التَّعْرِيفِ لِأَنَّهَا لِلتَّنْوِيعِ وَالتَّقْسِيمِ أَوْ أَنَّهُ رَسْمٌ لَا حَدٌّ.

قَوْلُهُ: (وَيُقَالُ لِلْعَقْدِ) الْمُرَادُ بِالْعَقْدِ قَوْلُهُ: ضَمِنْت أَوْ كَفَلْت، وَهَذَا مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْعَقْدَ مُرَكَّبٌ مِنْ إيجَابٍ وَقَبُولٍ.

قَوْلُهُ: (وَغَيْرُ ذَلِكَ) كَحَمِيلًا وَصَبِيرًا وَقَبِيلًا؛ لَكِنَّ الْعُرْفَ خَصَّ الضَّامِنَ بِالْمَالِ مُطْلَقًا وَالزَّعِيمَ بِالْمَالِ الْعَظِيمِ وَالْكَفِيلَ بِالنَّفْسِ وَالْحَمِيلَ بِالدِّيَةِ وَالصَّبِيرُ وَالْقَبِيلُ يَعُمَّانِ الْكُلَّ ح ل. وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ:

ضَمَانٌ بِمَالٍ وَالزَّعِيمُ بِهِ إذَا ... يَكُونُ عَظِيمًا وَالْكَفِيلُ بِأَبْدَانِ

حَمِيلٌ بِدِيَاتٍ صَبِيرٌ يَعُمُّهَا ... كَذَاك قَبِيلٌ قَدْ أَتَاك بِإِتْقَانِ

قَوْلُهُ: «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» هَذَا قِطْعَةٌ مِنْ حَدِيثٍ، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ: «الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ» أَيْ مُوَفًّى اهـ. وَيُسَمَّى زَعِيمًا لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْأَعْمَى فِي أَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا أَمَامَهُ، فَالْأَعْمَى لَا يُبْصِرُ مَا أَمَامَهُ فِي الطَّرِيقِ مِنْ أَنَّهَا سَالِكَةٌ أَوْ لَا أَوْ أَنَّ قُدَّامَهُ بِئْرٌ يَقَعُ فِيهَا أَوْ لَا، فَكَذَلِكَ الزَّعِيمُ لَا يَدْرِي هَلْ الْمَضْمُونُ عَنْهُ يَدْفَعُ الدَّيْنَ أَوْ لَا أَوْ أَنَّهُ هُوَ يَسْلَمُ مِنْ الْغُرْمِ أَوْ لَا.

قَوْلُهُ: (تُحْمَلُ) يُؤْخَذُ مِنْهُ مَنْعُ قَوْلِهِمْ إنَّهُ مَعْرُوفٌ أَنَّهُ سُنَّةٌ. وَيَتَّجِهُ أَنَّ مَحِلَّهُ فِي قَادِرٍ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ يَأْمَنُ غَائِلَتَهُ ز ي.

قَوْلُهُ: (وَأَرْكَانُ ضَمَانِ الْمَالِ) أَمَّا ضَمَانُ إحْضَارِ الْبَدَنِ أَوْ رَدِّ الْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ فَأَرْبَعَةٌ لِسُقُوطِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ الَّذِي هُوَ الشَّخْصُ م د، وَفِي ع ش عَلَى م ر: أَنَّ الْخَمْسَةَ آتِيَةٌ فِي ضَمَانِ الْعَيْنِ وَالْمَضْمُونُ عَنْهُ هُوَ مَنْ تَحْتَ يَدِهِ الْعَيْنُ.

قَوْلُهُ: (وَمَضْمُونٌ لَهُ) وَهُوَ صَاحِبُ الدَّيْنِ.

قَوْلُهُ: (وَمَضْمُونٌ عَنْهُ) وَهُوَ الْمَدِينُ أَيْ ضَمِنَ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (وَمَضْمُونٌ بِهِ) أَيْ الَّذِي وَقَعَ الضَّمَانُ بِسَبَبِهِ وَهُوَ الدَّيْنُ وَالْأَوْلَى حَذْفُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَضْمُونٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>