الْأَصَحِّ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ.
تَتِمَّةٌ: يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ مَا حَرُمَ بِالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ؛ لِأَنَّهَا أَغْلَظُ مِنْهُ، وَشَيْئَانِ آخَرَانِ أَحَدُهُمَا: الْمُكْثُ لِمُسْلِمٍ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَسْجِدِ أَوْ التَّرَدُّدُ فِيهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: ٤٣]
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَيَتَعَلَّقُ بِالْعَلَقَةِ أَحْكَامٌ ثَلَاثَةٌ: وُجُوبُ الْغُسْلِ، وَإِفْطَارُ الصَّائِمَةِ، وَتَسْمِيَةُ الْخَارِجِ عَقِبَهَا نِفَاسًا، وَتَزِيدُ الْمُضْغَةُ عَلَى الْعَلَقَةِ بِأَنَّهَا تَنْقَضِي بِهَا الْعِدَّةُ، وَيَحْصُلُ بِهَا الِاسْتِبْرَاءُ وَأُمِّيَّةُ الْوَلَدِ، وَإِذَا وَلَدَتْ الصَّائِمَةُ وَلَدًا جَافًّا فَإِنَّهَا تُفْطِرُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وم ر. وَالْحَقُّ أَنَّ الْعَلَقَةَ وَالْمُضْغَةَ مِنْ نَحْوِ الْوِلَادَةِ لَا مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ إنَّمَا تُطْلَقُ حَقِيقَةً عَلَى التَّامِّ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِلَا بَلَلٍ) لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تُوجِبُ الْغُسْلَ مُتَمَسِّكًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» وَأَكْثَرُ مَا تَكُونُ الْوِلَادَةُ بِلَا بَلَلٍ فِي نِسَاءِ الْأَكْرَادِ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَلَدَ الْمَفْهُومَ مِنْ الْوِلَادَةِ لَا أَنَّ نَفْسَ الْوِلَادَةِ مَنِيٌّ مُنْعَقِدٌ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ.
وَقَوْلُهُ: (لَا يَخْلُو عَنْ بَلَلٍ) وَالْبَلَلُ هُوَ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ الَّذِي انْعَقَدَ مِنْهُ الْوَلَدُ، فَإِنَّهُ يَبْقَى مِنْهُ بَقِيَّةُ فِي الْكِيسِ الَّذِي يَنْزِلُ مِنْهُ الْوَلَدُ. وَقَوْلُهُ: (فَأُقِيمَ) أَيْ الْوَلَدُ. وَقَوْلُهُ: (مَقَامَهُ) أَيْ الْبَلَلِ. وَقَوْلُهُ: (لَا يَخْلُو عَنْ بَلَلٍ غَالِبًا) قَالَ سم: يَنْبَغِي التَّأَمُّلُ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ بَلَلٍ فَإِنَّهُمْ إنْ أَرَادُوا بِالْبَلَلِ الَّذِي لَا تَخْلُو عَنْهُ مَا لَيْسَ دَمًا، فَهَذَا لَا أَثَرَ لَهُ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ أَوْ مَا هُوَ دَمٌ، فَإِنْ أَرَادُوا مَا يَخْرُجُ مَعَ الْوَلَدِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، أَوْ مَا يَخْرُجُ عَقِبَ الْوِلَادَةِ فَهَذَا مُوجِبٌ آخَرُ غَيْرَ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا نِفَاسٌ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ أَوْ حَيْضٌ كَالْخَارِجِ عَقِبَ أَوَّلِ تَوْأَمَيْنِ، وَالْكَلَامُ لَيْسَ إلَّا فِي الْإِيجَابِ بِمُجَرَّدِ الْوِلَادَةِ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ حَمَلَ الْبَلَلَ عَلَى بَقِيَّةِ الْمَنِيِّ الْمُنَجَّسِ فِي خَرِيطَةِ الْوَلَدِ مَعَهُ لِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ: إنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ مُصَاحَبَتِهِ، وَالْمُرَادُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ انْعِقَادِ الْوَلَدِ حُصُولَ مَنِيِّهَا.
[تَتِمَّةٌ يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ مَا حَرُمَ بِالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ]
قَوْلُهُ: (تَتِمَّةٌ) أَيْ مُنَاسَبَةٌ لِهَذَا الْفَصْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ سَبَبَ الْجَنَابَةِ وَهُوَ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ نَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ حُكْمَهَا، وَكَانَ الْأَوْلَى عَدَمَ ذِكْرِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، وَتَأْخِيرُ الْكَلَامِ عَلَيْهِمَا عِنْدَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي؛ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ حَرُمَ بِهِمَا الشَّيْئَانِ الْآخَرَانِ الْمَذْكُورَانِ هُنَا يَحْرُمُ بِهِمَا أَيْضًا أَشْيَاءُ أُخَرُ غَيْرَ الْوَطْءِ وَالطَّلَاقِ. وَقَوْلُهُ: (بِالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ) قَدْ يُقَالُ فِيهِ حَوَالَةٌ عَلَى مَجْهُولٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ سَيَأْتِي يُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ بِمَا يَحْرُمُ فِيهِ قُبَيْلَ كِتَابِ الصَّلَاةِ فَكَأَنَّهُ مَعْلُومٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّارِحُ هَذِهِ التَّتِمَّةَ هُنَا تَبَعًا لِلْمِنْهَاجِ وَالْمَنْهَجِ، وَإِلَّا فَسَيُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: (الْمُكْثُ) وَأَقَلُّهُ قَدْرُ الطُّمَأْنِينَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا بُدَّ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَدْرِ الطُّمَأْنِينَةِ.
قَوْلُهُ: (لِمُسْلِمٍ) أَيْ بَالِغٍ. أَمَّا الصَّبِيُّ فَيَجُوزُ لَهُ الْمُكْثُ جُنُبًا كَالْقِرَاءَةِ، لَكِنْ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّهِ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا لِحَاجَةِ تَعَلُّمِهِ وَيُمْنَعُ الْبَالِغُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (بِالْمَسْجِدِ) وَلَوْ شَائِعًا وَتَجِبُ قِسْمَتُهُ فَوْرًا، وَيُسْتَحَبُّ لِدَاخِلِهِ التَّحِيَّةُ وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِيهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ز ي. وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِلْحُرْمَةِ تَحَقُّقُ الْمَسْجِدِيَّةِ، أَوْ يُكْتَفَى بِالْقَرِينَةِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ. وَالْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمْ الْأَوَّلُ، وَعَلَيْهِ فَالِاسْتِفَاضَةُ كَافِيَةٌ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَصْلَهُ كَالْمَسَاجِدِ الْمُحْدَثَةِ بِمِنَى شَرْحُ م ر. وَمِنْ ذَلِكَ الْمَسَاجِدِ الْمُحْدَثَةِ بِسَاحِلِ بَحْرِ بُولَاقَ وَمِصْرَ الْقَدِيمَةِ، فَإِنَّ وَقْفَهَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِكَوْنِهَا فِي حَرِيمِ الْبَحْرِ انْتَهَى. اج.
وَمِثْلُ الْمَسْجِدِ رَحْبَتُهُ وَهَوَاؤُهُ وَجَنَاحٌ بِجِدَارِهِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّهُ فِي هَوَاءِ الشَّارِعِ. انْتَهَى مَرْحُومِيٌّ. وَمِنْهُ شَجَرَةٌ أَصْلُهَا فِيهِ، وَإِنْ جَلَسَ عَلَى فَرْعِهَا الْخَارِجِ عَنْهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَصْلُهَا خَارِجًا عَنْهُ وَفَرْعُهَا فِيهِ، وَمَكَثَ عَلَى فَرْعِهَا فِي هَوَائِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى فَرْعِ شَجَرَةٍ أَصْلُهَا خَارِجٌ عَنْ أَرْضِ عَرَفَاتِ وَفَرْعُهَا فِي هَوَائِهَا؛ لِأَنَّ هَوَاءَهَا لَا يُسَمَّى عَرَفَاتٍ بِرْمَاوِيٌّ. وَلَا يَكْفِي الْوُقُوفُ إلَّا إذَا كَانَ الْأَصْلُ فِيهَا، وَالْفَرْعُ فِي هَوَائِهَا ع ش.
قَوْلُهُ: (أَوْ التَّرَدُّدِ فِيهِ) بِخِلَافِ الْعُبُورِ كَمَا يَأْتِي، وَمِنْهُ أَنْ يَدْخُلَ لِأَخْذِ حَاجَةٍ وَيَخْرُجَ مِنْ الْبَابِ الْآخَرِ، ثُمَّ عَنَّ لَهُ الرُّجُوعُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ خَارِجَهُ وَلَا يُمْكِنُهُ الْغُسْلُ إلَّا فِي الْحَمَّامِ لِشِدَّةِ بَرْدٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَلَا يَتَيَسَّرُ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ إلَّا مِنْهُ كَخِزَانَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُنَاوِلُهَا لَهُ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ فَيَتَيَمَّمُ وَيَدْخُلُ وَيَمْكُثُ بِقَدْرِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ وَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ فُسْحَةٌ عَظِيمَةٌ. وَنَازَعَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ. وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ جَوَازُ الْمُكْثِ لِلْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ