مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ الْكُفَّارِ فِي الدُّنْيَا، فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَلَا يُدْفَنُونَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ. وَحُكْمُهُمْ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْآخِرَةِ لِمَا مَرَّ.
فَصْلٌ: فِي قَسْمِ الْغَنِيمَةِ
وَهِيَ لُغَةً الرِّبْحُ وَشَرْعًا مَالٌ أَوْ مَا أُلْحِقَ بِهِ كَخَمْرٍ مُحْتَرَمَةٍ حَصَلَ لَنَا مِنْ كُفَّارٍ أَصْلِيِّينَ حَرْبِيِّينَ مِمَّا هُوَ لَهُمْ بِقِتَالٍ مِنَّا وَإِيجَافِ خَيْلٍ أَوْ رِكَابٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَوْ بَعْدَ انْهِزَامِهِمْ فِي الْقِتَالِ أَوْ قَبْلَ شَهْرِ السِّلَاحِ حِينَ الْتَقَى الصَّفَّانِ وَمِنْ الْغَنِيمَةِ مَا أُخِذَ مِنْ دَارِهِمْ سَرِقَةً أَوْ اخْتِلَاسًا أَوْ لُقَطَةً أَوْ مَا أَهْدَوْهُ لَنَا أَوْ صَالَحُونَا عَلَيْهِ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِالْإِسْلَامِ) أَمَّا مَنْ تَلَفَّظَ بِهِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَطْعًا وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ بِالنِّسْبَةِ لِأَحْكَامِ الدُّنْيَا. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) عِبَارَةُ الْخَصَائِصِ وَشَرْحُهَا لِلْمُنَاوِيِّ وَأَطْفَالُهُمْ أَيْ الْمُؤْمِنِينَ كُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ. وَحَكَى بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعَ وَمُرَادُهُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ: إجْمَاعُ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ، رَوَى أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَطْفَالُ الْمُؤْمِنِينَ فِي جَبَلٍ فِي الْجَنَّةِ يَكْفُلُهُمْ إبْرَاهِيمُ وَسَارَةُ حَتَّى يَرُدَّهُمْ إلَى آبَائِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» يَعْنِي أَرْوَاحَ أَوْلَادِ الْمُؤْمِنِينَ وَذَرَارِيِّهِمْ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ، يَحْضُنُهُمْ وَيَقُومُ بِمَصَالِحِهِمْ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَزَوْجَتُهُ سَارَةُ وَنِعْمَ الْوَالِدَانِ الْكَافِلَانِ وَهَنِيئًا مَرِيئًا لِوَلَدٍ فَارَقَ أَبَوَيْهِ وَأَمْسَى عِنْدَهُمَا. وَلَا يَزَالُونَ فِي كَفَالَتِهِ حَتَّى يَرُدَّهُمْ أَيْ إبْرَاهِيمُ إلَى آبَائِهِمْ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُرَدُّ وَلَدُ الزِّنَا إلَى أُمِّهِ وَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ كَفَالَةِ إبْرَاهِيمَ لَهُمْ مَا فِي خَبَرٍ آخَرَ مِنْ كَفَالَةِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ فِي كَفَالَتِهِ وَطَائِفَةً فِي كَفَالَةِ غَيْرِهِ فَلَا تَدَافُعَ كَمَا بَيَّنَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ وَرُوِيَ «إنَّ أَرْوَاحَ ذَرَارِيِّ الْمُسْلِمِينَ فِي أَجْوَافِ عَصَافِيرَ خُضْرٍ تَعْلَقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ» وَوَرَدَ فِي حَدِيثٍ «إنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً مِنْ خِيَارِ الشَّجَرِ لَهَا ضُرُوعٌ كَضُرُوعِ الْبَقَرِ وَإِنَّ مِنْ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ يَرْضَعُونَ يَرْضَعُونَ مِنْهَا» وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ «إنَّ السِّقْطَ يَكُونُ فِي نَهْرٍ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ يَتَقَلَّبُ فِيهِ حَتَّى تَقُومَ الْقِيَامَةُ» اهـ.
[فَصْلٌ فِي قَسْمِ الْغَنِيمَةِ]
ِ ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ الْجِهَادِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَعَلِّقٌ بِالْإِمَامِ وَذَكَرَهَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ مَعَ الْفَيْءِ عَقِبَ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّ الْمَالَ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ إلَّا لِنَفْعِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا كَانَ تَحْتَ يَدِ الْكُفَّارِ قَبْلَ كَوْنِهِ غَنِيمَةً أَوْ فَيْئًا فَكَأَنَّهُ وَدِيعَةٌ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ وَسَبِيلُهُ الرَّدُّ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَالْغَنِيمَةُ أَفْضَلُ الْمَكَاسِبِ ثُمَّ بَعْدَهَا الزِّرَاعَةُ ثُمَّ بَعْدَهَا الصِّنَاعَةُ ثُمَّ بَعْدَهَا التِّجَارَةُ «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبِيعُ وَيَشْتَرِي لَكِنَّ الشِّرَاءَ بَعْدَ الْبِعْثَةِ أَغْلَبُ وَأُهْدَى لَهُ وَوَهَبَ وَوُهِبَ لَهُ وَاسْتَعَارَ وَاقْتَرَضَ» . وَكَانَ آدَم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - زَرَّاعًا وَأَوَّلُ صَنْعَةٍ عُمِلَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ الْحَرْثُ. وَأَوَّلُ مَنْ حَرَثَ آدَم وَكَانَ إدْرِيسُ خَيَّاطًا وَكَانَ نُوحٌ نَجَّارًا وَكَانَ إبْرَاهِيمُ بَزَّازًا أَيْ يَبِيعُ أَنْوَاعَ الْمَلْبُوسِ وَكَانَ مُوسَى أَجِيرَ شُعَيْبٍ وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَّجِرُونَ وَيَعْمَلُونَ فِي نَخْلِهِمْ، وَغَنِيمَةٌ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ وَلَوْ قَالَ فِي الْغَنِيمَةِ وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ الرَّضْخِ وَالنَّفَلِ وَبَيَانِ التَّخْمِيسِ لَكَانَ أَوْلَى، وَهِيَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِنَبِيٍّ قَبْلِي» وَفِي السِّيرَةِ الْحَلَبِيَّةِ «وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ كُلُّهَا وَكَانَتْ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ قَبْلِي أَيْ مَنْ أُمِرَ بِالْجِهَادِ مِنْهُمْ يُحَرِّمُونَهَا أَيْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَهَا فَتَأْتِي نَارٌ فَتُحْرِقُهَا» أَيْ مَا عَدَا الْحَيَوَانَاتِ مِنْ الْأَمْتِعَةِ وَالْأَطْعِمَةِ وَالْأَمْوَالِ فَإِنَّ الْحَيَوَانَاتِ تَكُونُ مِلْكًا لِلْغَانِمِينَ دُونَ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا يَجُوزُ لِلْأَنْبِيَاءِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَجَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «وَأَطْعَمْتُ أُمَّتَك الْفَيْءَ وَلَمْ أُحِلَّهُ لِأُمَّةٍ قَبْلَهَا» فَالْمُرَادُ بِالْفَيْءِ مَا يَعُمُّ الْغَنِيمَةَ كَمَا أَنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِالْغَنِيمَةِ مَا يَعُمُّ الْفَيْءَ فِيهِمَا كَالْفَقِيرِ وَالْمِسْكِين إذَا اجْتَمَعَا افْتَرَقَا وَإِذَا افْتَرَقَا اجْتَمَعَا.
قَوْلُهُ: (حَصَلَ لَنَا) جُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقُيُودِ سِتَّةٌ أَوَّلُهَا قَوْلُهُ: لَنَا وَآخِرُهَا قَوْلُهُ: مِنَّا.
قَوْلُهُ: (وَإِيجَافِ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ أَيْ إسْرَاعٌ هُوَ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ وَقَوْلُهُ: أَوْ رِكَابٍ أَيْ إبِلٍ: وَقَوْلُهُ: أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَرِجَالٍ وَسُفُنٍ.
قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْغَنِيمَةِ) اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْغَنِيمَةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ قِتَالٍ وَلَا قِتَالَ هُنَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute