مَا حَصَّلَهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ بِقِتَالٍ فَالنَّصُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ فَلَا يُنْزَعُ مِنْهُمْ وَمَا أُخِذَ مِنْ تَرِكَةِ الْمُرْتَدِّ فَإِنَّهُ فَيْءٌ لَا غَنِيمَةٌ وَمَا أُخِذَ مِنْ ذِمِّيٍّ كَجِزْيَةٍ فَإِنَّهُ فَيْءٌ أَيْضًا وَلَوْ أَخَذْنَا مِنْ الْحَرْبِيِّينَ مَا أَخَذُوهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ نَحْوِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ نَمْلِكْهُ وَلَوْ غَنَمَ ذِمِّيٌّ وَمُسْلِمٌ غَنِيمَةً فَهَلْ يُخَمَّسُ الْجَمِيعُ أَوْ نَصِيبُ الْمُسْلِمِ فَقَطْ؟ . وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا الثَّانِي كَمَا رَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَمَّا كَانَ يُقَدِّمُ مِنْ أَصْلِ مَالِ الْغَنِيمَةِ الصُّلْبَ بَدَأَ بِهِ فَقَالَ وَمَنْ أَيْ إذَا قَتَلَ الْمُسْلِمُ سَوَاءٌ أَكَانَ حُرًّا أَمْ لَا ذَكَرًا أَمْ لَا بَالِغًا أَمْ لَا فَارِسًا أَمْ لَا قَتِيلًا أُعْطِيَ سَلَبَهُ سَوَاءٌ أَشَرَطَهُ لَهُ الْإِمَامُ أَمْ لَا لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَتَلَ يَوْمَ خَيْبَرَ عِشْرِينَ قَتِيلًا وَأَخَذَ سَلَبَهُمْ تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ الذِّمِّيُّ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ سَوَاءٌ أَحَضَرَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَمْ لَا وَالْمُخَذِّلُ وَالْمُرْجِفُ وَالْخَائِنُ وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ لَا سَهْمَ لَهُ وَلَا رَضْخَ
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَأَطْلَقُوا اسْتِحْقَاقَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ السَّلَبَ وَيَجِبُ تَقَيُّدُهُ بِكَوْنِهِ لِمُسْلِمٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَقْتُولِ أَنْ لَا يَكُونَ مَنْهِيًّا عَنْ قَتْلِهِ فَلَوْ قَتَلَ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً لَمْ يُقَاتِلَا فَلَا سَلَبَ لَهُ فَإِنْ قَاتَلَا اسْتَحَقَّهُ فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ أَعْرَضَ مُسْتَحِقُّ السَّلَبِ عَنْهُ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مِنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ لَهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْقَاتِلُ السَّلَبَ بِرُكُوبِ غَرَرٍ يَكْفِي بِهِ شَرَّ كَافِرٍ فِي حَالِ الْحَرْبِ وَكِفَايَةُ شَرِّهِ أَنْ يُزِيلَ امْتِنَاعَهُ كَأَنْ يَفْقَأَ عَيْنَيْهِ أَوْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا خَاطَرَ بِنَفْسِهِ. وَدَخَلَ دَارَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ نَزَلَ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْقِتَالِ وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ وَلَا يَرِدُ عَلَى التَّعْرِيفِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ مَا هَرَبُوا عَنْهُ عِنْدَ الِالْتِقَاءِ وَقَبْلَ شَهْرِ السِّلَاحِ وَمَا صَالَحُونَا بِهِ أَوْ أَهْدَوْهُ لَنَا عِنْدَ الْقِتَالِ فَإِنَّ الْقِتَالَ لَمَّا قَرُبَ وَصَارَ كَالْمُتَحَقِّقِ الْمَوْجُودِ صَارَ كَأَنَّهُ مَوْجُودٌ هُنَا بِطَرِيقِ الْقُوَّةِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ لُقَطَةً) أَيْ إذَا ظَنَّ أَنَّهَا لَهُمْ فَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهَا لِمُسْلِمٍ وَجَبَ تَعْرِيفُهَا سَنَةً أَوْ دُونَهَا كَمَا تَقَدَّمَ شَرْحِ م ر أج.
قَوْلُهُ: (وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَهِيَ رَاجِعَةٌ لِلْأَمْرَيْنِ قَبْلَهَا أَعْنِي الْإِهْدَاءَ وَالصُّلْحَ فَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ لَمْ تَكُنْ الْحَرْبُ قَائِمَةً فَفِي الْإِهْدَاءِ يَكُونُ لِلْمُهْدَى إلَيْهِ وَفِي صُورَةِ الصُّلْحِ يَكُونُ فَيْئًا فَالْمَفْهُومُ فِيهِ تَفْصِيلٌ. قَوْلُهُ: (خَرَجَ بِمَا ذُكِرَ) شُرُوعٌ فِي مُحْتَرَزِ الْقُيُودِ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوِهِ) كَمُسْتَأْمَنٍ وَقَوْلُهُ: لَمْ نَمْلِكْهُ بَلْ هُوَ لِمَالِكِهِ.
قَوْلُهُ: (كَمَا رَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) أَيْ وَيَسْتَقِلُّ الذِّمِّيُّ بِنَصِيبِهِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ قَتَلَ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ وَهُوَ إزْهَاقُ الرُّوحِ وَمَجَازِهِ وَهُوَ إبْطَالُ الْمَنَعَةِ مِنْ غَيْرِ الْقَتْلِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ وَهُوَ إبْطَالُ الْمَنَعَةِ مَجَازًا مُرْسَلًا وَيَكُونُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِيِّ بِالْحُكْمِ. قَوْلُهُ: (أَيْ إذَا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مَنْ شَرْطِيَّةٌ وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ فَالْأَوْلَى عَدَمُ ذِكْرِ ذَلِكَ وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ: أَيْ إذَا: إنْ جُعِلَ إذَا تَفْسِيرٌ لِمَنْ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ مَنْ مَوْصُولَةٌ مُبْتَدَأٌ وَاقِعٌ عَلَى الْقَاتِلِ وَإِذَا ظَرْفٌ أَوْ حَرْفٌ وَإِنْ جُعِلَ شَرْطًا مُسْتَقِلًّا أَيْ غَيْرَ تَفْسِيرٍ لِمَنْ لَمْ يَصِحَّ دُخُولُ أَيْ التَّفْسِيرِيَّةِ عَلَيْهِ. وَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَتَلَ شَرْطَهُ وَيَكُونَ مِنْ حَذْفِ الْفَاعِلِ وَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أُعْطِيَ جَوَابَهُ وَتَصِيرَ مَنْ لَا خَبَرَ لَهَا وَخَالِيَةً عَنْ الصِّلَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ: أَيْ إذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَنْ شَرْطِيَّةٌ لَا مَوْصُولَةٌ وَلَيْسَ مِنْ بَابِ التَّفْسِيرِ فِي شَيْءٍ.
قَوْلُهُ: (قَتِيلًا) أَيْ شَخْصًا يَئُولُ أَمْرُهُ أَنْ يَكُونَ قَتِيلًا فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْقَتِيلَ لَا يُقْتَلُ وَهَذَا الْحَدِيثُ قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فَصَارَ حَدِيثًا فَإِنَّ الْحَدِيثَ مَا أُضِيفَ إلَى النَّبِيِّ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَوْ عَزْمًا أَوْ هَمًّا أَوْ سُكُونًا أَوْ تَقْرِيرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ الذِّمِّيُّ) أَيْ بِالنَّظَرِ لِظَاهِرِ الْمَتْنِ أَمَّا بِالنَّظَرِ لِتَقْيِيدِ الشَّارِحِ بِالْمُسْلِمِ فَكَانَ يَقُولُ: وَخَرَجَ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ شُرُوطَ أَخْذِ السَّلَبِ ثَلَاثَةٌ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا وَأَنْ يَرْتَكِبَ غَرَرًا وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمَقْتُولُ مَنْهِيًّا عَنْ قَتْلِهِ. قَوْلُهُ: (الْمُخَذِّلُ) وَهُوَ مَنْ يَحُثُّ النَّاسَ عَلَى عَدَمِ الْقِتَالِ وَالْمُرْجِفُ هُوَ الْمَخُوفُ لَهُمْ وَقِيلَ الْمُرْجِفُ مُكْثِرُ الْأَرَاجِيفِ وَأَمَّا الْمُخَذِّلُ فَيَصْدُقُ بِالْإِرْجَافِ مَرَّةً.
قَوْلُهُ: (وَالْخَائِنُ) أَيْ فِي الْغَنِيمَةِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: الْمُخَذِّلُ مَنْ يُخَوِّفُ النَّاسَ كَأَنْ يَقُولَ: عَدُوُّنَا كَثِيرٌ وَخُيُولُنَا ضَعِيفَةٌ وَلَا طَاقَةَ لَنَا بِهِمْ وَالْمُرْجِفُ مَنْ يُكْثِرُ الْأَرَاجِيفَ كَأَنْ يَقُولَ: قُتِلَتْ سَرِيَّةُ كَذَا وَلَحِقَهُمْ مَدَدٌ لِلْعَدُوِّ مِنْ جِهَةِ كَذَا وَالْخَائِنُ مَنْ يَتَجَسَّسُ بِهِمْ وَيُطْلِعُهُمْ عَلَى الْعَوْرَاتِ بِالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ.
قَوْلُهُ: (وَنَحْوُهُمْ) كَالْمُرْتَدِّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ لَهُ) بِالنَّصِّ