فَأَعَادَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ» وَقَالَ لِمَاعِزٍ: «لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ، أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلَا يَقُولُ لَهُ: ارْجِعْ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَكُونُ أَمْرًا بِالْكَذِبِ. وَتَثْبُتُ أَيْضًا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ كَسَائِرِ الْعُقُوبَاتِ غَيْرِ الزِّنَا. فَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، ثَبَتَ الْمَالُ وَلَا قَطْعَ. وَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ الشَّاهِدِ شُرُوطَ السَّرِقَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ كَمَا مَرَّ فِي الْإِقْرَارِ. وَيَجِبُ عَلَى السَّارِقِ رَدُّ مَا أَخَذَهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» فَإِنْ تَلِفَ ضَمِنَهُ بِبَدَلِهِ جَبْرًا لِمَا فَاتَ.
فَصْلٌ: فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ الْأَصْلُ فِيهِ آيَةُ {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: ٣٣] وَقَطْعُ الطَّرِيقِ هُوَ الْبُرُوزُ لِأَخْذِ مَالٍ أَوْ لِقَتْلٍ أَوْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
لُغَةِ مَنْ يَنْصِبُ بِهَا الْجُزْأَيْنِ.
قَوْلُهُ: (مَا إخَالُكَ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الْأَفْصَحِ وَبِفَتْحِهَا عَلَى الْقِيَاسِ أَيْ مَا أَظُنُّكَ قَالَ عَمِيرَةُ: الَّذِي فِي الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرِهِ أَنْ يَقُولَ لَهُ لَعَلَّك غَصَبْتَ، أَوْ أَخَذْتَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَلَا يُقَالُ لَهُ: مَا إخَالُكَ سَرَقْتَ، لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا بِإِنْكَارِ الْمَالِ لَكِنَّ الْحَدِيثَ ظَاهِرٌ، أَوْ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ وَيَكُونُ الْمَعْنَى مَا إخَالُكَ سَرَقْتَ بَلْ أَخَذْتَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ اهـ.
وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَصَرِيحُ الْحَدِيثِ أَنَّ التَّعْرِيضَ لِإِنْكَارِ الْمَالِ وَلَيْسَ هُوَ الْمُرَادَ، بَلْ الْمُرَادُ نَفْيُ نَفْسِ السَّرِقَةِ وَثُبُوتُ الْأَخْذِ بِغَيْرِهَا كَغَصْبٍ، أَوْ أَخْذٍ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَتَثْبُتُ) أَيْ السَّرِقَةُ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (غَيْرِ الزِّنَا) لِأَنَّ الزِّنَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَرْبَعٍ.
قَوْلُهُ: (فَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) أَوْ رَجُلٌ مَعَ يَمِينٍ، وَمَحَلُّ ثُبُوتِ الْمَالِ إذَا شَهِدُوا بَعْدَ دَعْوَى الْمَالِكِ، أَوْ وَكِيلِهِ فَلَوْ شَهِدُوا حِسْبَةً لَمْ يَثْبُتْ بِشَهَادَتِهِمْ الْمَالُ أَيْضًا، لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ مُنْصَبَّةٌ إلَى الْمَالِ وَشَهَادَةَ الْحِسْبَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَالِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ. اهـ. س ل.
قَوْلُهُ: (شُرُوطَ السَّرِقَةِ) وَأَنْ يَقُولَ لَا أَعْلَمُ لَهُ فِيهِ شُبْهَةً وَالْمُرَادُ بِالشُّرُوطِ مَا يَشْمَلُ الْأَرْكَانَ، لِأَنَّهُ يَذْكُرُ السَّرِقَةَ وَالْمَسْرُوقَ مِنْ كَوْنِهِ رُبُعَ دِينَارٍ، أَوْ قِيمَتَهُ، وَالْمَسْرُوقَ مِنْهُ وَهَذِهِ مِنْ الْأَرْكَانِ، وَأَمَّا عَدَمُ الشُّبْهَةِ فَهُوَ مِنْ الشُّرُوطِ. قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ فِي الْإِقْرَارِ) أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ عَلَى السَّارِقِ رَدُّ مَا أَخَذَهُ) أَيْ وَأُجْرَةِ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ م ر. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ قُطِعَ لَمْ يَغْرَمْ وَإِنْ غَرِمَ لَمْ يُقْطَعْ وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ غَنِيًّا ضَمِنَ، وَإِلَّا فَلَا أَيْ وَالْقَطْعُ لَازِمٌ بِكُلِّ حَالٍ وَلَوْ أَعَادَ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ إلَى الْحِرْزِ لَمْ يَسْقُطْ الْقَطْعُ وَلَا الضَّمَانُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَسْقُطُ وَعَنْ مَالِكٍ لَا ضَمَانَ وَيُقْطَعُ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَلَوْ قِيلَ: بِالْعَكْسِ لَكَانَ مَذْهَبًا لِدَرْءِ الْحَدِّ بِالشُّبُهَاتِ. اهـ. س ل.
[فَصْلٌ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ]
ِ أَيْ قَاطِعِ الْمَارِّينَ فِي الطَّرِيقِ أَيْ مَانِعِهِمْ سُلُوكَهَا وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِامْتِنَاعِ النَّاسِ مِنْ سُلُوكِ الطَّرِيقِ خَوْفًا مِنْهُ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ قَطَعْته عَنْ حَقِّهِ مَنَعْته مِنْهُ وَمِنْهُ قَطْعُ الرَّجُلِ الطَّرِيقَ إذَا أَخَافَهُ وَهُوَ قَاطِعٌ وَالْجَمْعُ قُطَّاعٌ وَذَكَرَهُ بَعْدَ السَّرِقَةِ لِأَنَّ بَعْضَ أَقْسَامِهِ فِيهِ قَطْعٌ كَالسَّرِقَةِ وَفِي ذَلِكَ الْقِسْمِ اعْتِبَارُ شُرُوطِ السَّرِقَةِ مِنْ الْحِرْزِ وَعَدَمِ الشُّبْهَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا حَرَامٌ اهـ وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ بَعْدَ كَلَامٍ ذَكَرَهُ وَفِيهِ قَطْعُ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ وَقَدْرُ النِّصَابِ فِي السَّرِقَةِ فَذُكِرَ مَعَهَا وَأُخِّرَ عَنْهَا لِأَنَّهَا كَجُزْئِهِ وَعَبَّرَ بِالْقَاطِعِ دُونَ الْقَطْعِ لِأَجْلِ مَا بَعْدَهُ وَالْمُرَادُ بِالطَّرِيقِ مَحَلُّ الْمُرُورِ وَلَوْ فِي دَاخِلِ الْأَبْنِيَةِ وَالدُّورِ
قَوْلُهُ {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: ٣٣] أَيْ أَوْلِيَاءَهُمَا وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَإِنَّمَا خُصُّوا بِالذِّكْرِ لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَحْكَامِ الْآتِيَةِ تَكُونُ فِيهِمْ فَلَا