كِتَابُ الْجِنَايَاتِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
[كِتَابُ الْجِنَايَاتِ]
ِ أَيْ عَلَى الْأَبْدَانِ بِقَرِينَةِ ذِكْرِ الْجِنَايَاتِ عَلَى الْأَمْوَالِ فِيمَا سَبَقَ وَهُوَ بَابُ الْغَصْبِ وَمَا سَيَأْتِي وَهُوَ بَابُ السَّرِقَةِ.
وَالْقِصَاصُ الَّذِي هُوَ مُوجَبُ الْجِنَايَةِ أَحَدُ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ الَّتِي شُرِعَتْ لِحِفْظِ النَّفْسِ، وَالنَّسَبِ، وَالْعَقْلِ، وَالْمَالِ، وَالدِّينِ، وَلِهَذِهِ شُرِعَتْ الْحُدُودُ حِفْظًا لِهَذِهِ الْأُمُورِ، فَشُرِعَ الْقِصَاصُ حِفْظًا لِلنَّفْسِ فَإِذَا عَلِمَ الْقَاتِلُ: أَنَّهُ إذَا قَتَلَ قُتِلَ انْكَفَّ عَنْ الْقَتْلِ، وَشُرِعَ حَدُّ الزِّنَا حِفْظًا لِلْأَنْسَابِ فَإِذَا عَلِمَ الشَّخْصُ أَنَّهُ إذَا زَنَى، رُجِمَ، أَوْ جُلِدَ انْكَفَّ عَنْ الزِّنَا، وَشُرِعَ حَدُّ الشُّرْبِ حِفْظًا لِلْعَقْلِ فَإِذَا عَلِمَ الشَّخْصُ أَنَّهُ إذَا شَرِبَ الْمُسْكِرَ حُدَّ انْكَفَّ عَنْ الشُّرْبِ، وَشُرِعَ حَدُّ السَّرِقَةِ حِفْظًا لِلْمَالِ فَإِذَا عَلِمَ السَّارِقُ أَنَّهُ إذَا سَرَقَ قُطِعَتْ يَدُهُ انْكَفَّ عَنْ السَّرِقَةِ، وَشُرِعَ قَتْلُ الرِّدَّةِ حِفْظًا لِلدِّينِ فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ إذَا ارْتَدَّ قُتِلَ انْكَفَّ عَنْ الرِّدَّةِ، اهـ مَرْحُومِي.
وَالْقَتْلُ ظُلْمًا عُدْوَانًا أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ بِاَللَّهِ، وَمُوجِبٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا مِنْ حَيْثُ حَقُّ الْآدَمِيِّ، وَفِي الْآخِرَةِ مِنْ حَيْثُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَيَسْقُطُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّوْبَةِ الصَّحِيحَةِ، لِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ مِنْهُ عَلَى الرَّاجِحِ، أَوْ بِالْحَجِّ الْمَبْرُورِ عَلَى الصَّحِيحِ لَا بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ لِلْقَتْلِ وَيَسْقُطُ حَقُّ الْآدَمِيِّ بِالْعَفْوِ وَلَوْ مَجَّانًا أَوْ بِالْقَوَدِ، أَوْ بِأَخْذِ الدِّيَةِ فَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ.
وَمَذْهَبُ السُّنَّةِ أَنَّ الْقَتْلَ لَا يَقْطَعُ الْأَجَلَ، وَإِنَّمَا مَوْتُهُ بِأَجَلِهِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ، وَأَمَّا خَبَرُ «إنَّ الْمَقْتُولَ يَتَعَلَّقُ بِقَاتِلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَقُولُ: يَا رَبِّ ظَلَمَنِي وَقَتَلَنِي فَقَطَعَ أَجَلِي» فَمُتَكَلَّمٌ فِي إسْنَادِهِ وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَقْتُولٍ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقْتَلْ لَكَانَ يُعْطَى أَجَلًا زَائِدًا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
وَقَوْلُهُ: وَالْقَتْلُ ظُلْمًا إلَخْ: أَيْ مِنْ حَيْثُ الْقَتْلُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ مُعَاهَدًا وَمُؤَمَّنًا وَلَا مَانِعَ مِنْهُ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنَّ أَفْرَادَهُ مُتَفَاوِتَةٌ فَقَتْلُ الْمُسْلِمِ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ قَتْلِ الْكَافِرِ وَقَتْلُ الذِّمِّيِّ أَعْظَمُ مِنْ قَتْلِ الْمُعَاهَدِ وَالْمُؤَمَّنِ، وَقَدْ يَشْهَدُ لِأَصْلِ التَّفَاوُتِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَقَتْلُ مُؤْمِنٍ، أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ، مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» أَمَّا الظُّلْمُ مِنْ حَيْثُ الِافْتِيَاتُ عَلَى الْإِمَامِ كَقَتْلِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَتَارِكِ الصَّلَاةِ بَعْدَ أَمْرِ الْإِمَامِ لَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ كَبِيرَةً فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ وَقَوْلُهُ، أَوْ بِأَخْذِ الدِّيَةِ أَيْ فِي قَتْلٍ لَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَعَلَيْهِ فَلَوْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ مَجَّانًا، أَوْ عَلَى الدِّيَةِ سَقَطَ الطَّلَبُ عَنْ الْقَاتِلِ فِي الْآخِرَةِ وَقَوْلُهُ: فَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ ظَاهِرُهُ لَا لِلْوَارِثِ وَلَا لِلْمَقْتُولِ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْقَاتِلَ يَتَعَلَّقُ بِهِ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ: حَقٌّ لِلَّهِ، وَحَقٌّ لِلْمَقْتُولِ، وَحَقٌّ لِلْوَلِيِّ، فَإِذَا سَلَّمَ الْقَاتِلُ نَفْسَهُ طَوْعًا وَاخْتِيَارًا لِلْوَلِيِّ نَدَمًا عَلَى مَا فَعَلَ خَوْفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْبَةً نَصُوحًا سَقَطَ حَقُّ اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ وَحَقُّ الْأَوْلِيَاءِ بِالِاسْتِيفَاءِ، أَوْ الصُّلْحِ وَالْعَفْوِ، وَبَقِيَ حَقُّ الْمَقْتُولِ يُعَوِّضُهُ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ عَبْدِهِ التَّائِبِ وَيُصْلِحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، اهـ.
وَهُوَ لَا يُنَافِي قَوْلَهُ: فَلَا مُطَالَبَةَ أُخْرَوِيَّةً لِجَوَازِ حَمْلِهِ عَلَى أَنَّ عَدَمَ الْمُطَالَبَةِ لِتَعْوِيضِ اللَّهِ إيَّاهُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْقَسِمُ الْقَتْلُ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ: وَاجِبٍ كَقَتْلِ الْمُرْتَدِّ، وَحَرَامٍ كَقَتْلِ الْمَعْصُومِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَمَكْرُوهٍ كَقَتْلِ الْغَازِي قَرِيبَهُ إذَا لَمْ يَسْمَعْهُ يَسُبُّ اللَّهَ تَعَالَى مَثَلًا، وَمَنْدُوبٍ كَقَتْلِ الْغَازِي الْمَذْكُورَ إذَا سَمِعَهُ يَسُبُّ اللَّهَ، أَوْ رَسُولَهُ، وَمُبَاحٍ كَقَتْلِ الْإِمَامِ الْأَسِيرَ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الْخِصَالِ فِي الْأَحَظِّيَّةِ فَرَاجِعْهُ، وَأَمَّا قَتْلُ الْخَطَأِ فَلَا يُوصَفُ بِحَرَامٍ وَلَا حَلَالٍ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فِيمَا أَخْطَأَ فِيهِ فَهُوَ كَفِعْلِ الْبَهِيمَةِ وَالْمَجْنُونِ بِرْمَاوِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
قَالَ ع ش عَلَى م ر: قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ يُرَاجَعَ مَا ذَكَرَهُ فِي قَتْلِ الْإِمَامِ الْأَسِيرَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُقْتَلُ بِالْمَصْلَحَةِ وَحَيْثُ اقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ قَتْلَهُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا إنْ تَرَتَّبَ عَلَى عَدَمِهِ مَفْسَدَةٌ، وَمَنْدُوبًا إنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ تَتَرَجَّحُ عَلَى التَّرْكِ بَلْ